قالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إنّ هناك توجّها لدى الحكومة اللبنانية لتوكيل مهمّة التفاوض بشأن قضية العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«جبهة النصرة» إلى «هيئة العلماء المسلمين» التي عادت ودخلت أخيرا على الخط، بينما أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري، أمس، السهام على الهيئة من دون أن يسمّيها، داعيا إلى ابتعاد المدنيين عن التعاطي بالملف، وهو ما فسّره أهالي العسكريين على أنّه محاولة من بري لإبقاء الملف في يد مدير عام الأمن العام عباس إبراهيم، الذي سبق له أن تولّى المهمة. وبعدما كان القضاء اللبناني أخلى، أوّل من أمس، سبيل الموقوفة علا العقيلي زوجة القيادي في «داعش» أبو علي الشيشاني وسلّمها إلى الأمن العام اللبناني، بصفتها أجنبية دخلت الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية، أعلن رئيس الهيئة الشيخ سالم الرافعي أن الشيشاني اتصل به لشكره، لافتا إلى أنه طلب منه تعهدا من محتجزي العسكريين بعدم إيذائهم، وكاشفا أنّ «هناك تعقيدات تواجه الهيئة في المفاوضات لإطلاق العسكريين، وهي لا تأتي من (حزب الله)، بل من جهات مسيحية لبنانية». وكانت «هيئة العلماء المسلمين» تقدمت بمبادرة تطالب بالإفراج الفوري عن النساء والأطفال، مقابل الدخول في وساطة مع الخاطفين لوقف عمليات القتل، وقامت لهذا الهدف بلقاءات عدّة شملت رئيس الحكومة تمام سلام ووزيري الداخلية والعدل، نهاد المشنوق وأشرف ريفي. وفي هذا الإطار، قال عضو الهيئة الشيخ عدنان أمامة لـ«وكالة الأنباء المركزية» إن حصيلة الجولة على المسؤولين كانت إيجابية وتبين أن هناك قبولا لمبدأ المقايضة والقرار في هذا الخصوص متخذ، إلا أن المعنيين طالبونا بمحاولة إقناع الخاطفين بأن يكونوا إيجابيين لإنجاح المفاوضات لأن الحكومة جاهزة ومستعدة. وشدد على أن العلماء مستمرون في مبادرتهم، إن قبلت الحكومة تكليفهم أم لا؛ لأن الملف إنساني وأخلاقي وشرعي. في غضون ذلك، فكّ الحصار جزئيا عن منطقة عرسال، شرق لبنان، يوم أمس، بإزالة أهل بلدة البزالية الحاجز وفتح الطريق أمام العرساليين فيما يستمر الجيش اللبناني في إجراءاته الأمنية المشدّدة على الجهة الشرقية، حيث يتحصّن المقاتلون في تلال القلمون الحدودية مع سوريا، ونجح في فصل البلدة عن جرودها بشكل كبير. وكان شباب من البزالية ومسلحون أقاموا حواجز في بلدتهم مانعين أهالي عرسال من المرور عليها، منذ يوم الجمعة الماضي، إثر إعلان «جبهة النصرة» إعدام العسكري علي البزال، محمّلين أهالي عرسال المسؤولية ومتهمين إياهم بالتواطؤ مع خاطفي العسكريين. وتفصل بين عرسال والبزالية منطقة اللبوة، الممر الرئيس لأهالي البلدة إلى البقاع، التي تعتبر تحت سيطرة «حزب الله». وكانت «النصرة» أعدمت البزال بعد الإعلان عن توقيف السلطات اللبنانية كلا من زوجة الشيشاني، وطليقة زعيم التنظيم سجى الدليمي، وأطفالهما. وبينما قام وفد من أهل عرسال، أوّل من أمس، بزيارة إلى البزالية للعزاء ومحاولة تهدئة الأوضاع، إلا أن الأجواء لا تزال مشحونة بين البلدتين، وفق ما يقول مصدر ميداني لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أنّ أهل عرسال لا يزالون حذرين في تنقلاتهم ويقتصر خروجهم من البلدة على الأسباب الضرورية، كما أن الجيش ينصحهم بعدم التنقل خوفا على سلامتهم. وأشار المصدر إلى أنّ البلدة، وإضافة إلى حاجز البزالية، تحوّلت إلى «سجن كبير» بفعل الانتشار الأمني الذي يحيطها من كل الجهات، إذ إنّ هناك 13 نقطة للجيش منتشرة على مداخل المنطقة. ويلفت المصدر إلى أنّ الحصار الذي فرض على عرسال لم يؤثّر فقط على أهالي البلدة إنما أيضا على اللاجئين الذين يفوق عددهم 70 ألفا، وأصبح هناك شحّ في المواد الغذائية الموجودة، والجمعيات غير قادرة لغاية الآن على نقل المساعدات، والوضع زاد سوءا بسبب عدم وصول المساعدات المالية إلى بطاقات اللاجئين لغاية الآن رغم الإعلان عن استئناف المساعدات. وكانت مواقف لبنانية، بعد 5 أيام على حصار عرسال عن منطقة البقاع وعن لبنان، قد ارتفعت رافضة حصار عرسال ومطالبة بقيام الجيش بواجباته في المنطقة. ودعا رئيس تيار المستقبل رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ إجراءات سريعة وقرار حاسم يضع حدا لقضية خطف العسكريين وإعادتهم سالمين. واعتبر في تغريدة له عبر «تويتر» أن «حصار عرسال والانتقام منها خدمة تقدم للخاطفين». ولفت إلى أنه «ليس مقبولا الاستمرار في حصار عرسال والدفع نحو جولة جديدة من التشنج، تخالف المساعي القائمة لضبط أسباب الاحتقان»، مؤكدا أن «الحكومة مسؤولة عن إنهاء هذا الحصار وتكليف الجيش بإعادة الاعتبار للدولة، وعدم ترك العلاقات بين المناطق والقرى رهينة الغضب وردة فعل المسلحين». كذلك، استنكر وزير العدل أشرف ريفي «التمادي الحاصل في منطقة البقاع الشمالي»، داعيا في بيان له إلى «وقف الممارسات التي تتعرض لها بلدة عرسال، من حصار ناتج عن قطع الطرق، وإطلاق النار على السيارات، ونصب حواجز تدقق في هويات المارة، وتمارس الخطف». ورأى أن «أحدا لا يمكنه التنصل من المسؤولية عن هذه الممارسات، التي تنذر بزيادة الاحتقان، وذهاب الأمور نحو المجهول. كما أن من مسؤولية المؤسسات على اختلافها، أن تقوم بواجبها في حفظ أمن الناس، وعدم السماح بالمظاهر المسلحة لأي فئة انتمت، بعيدا عن سياسة ازدواجية المعايير».