عاودت الاثنينية-المنتدى الفكري والثقافي الوطني والعربي الكبير- نشاطتها بافتتاح موسمها الجديد لعام 1436هـ بتكريم جامعة عفت ممثلة بصاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل، هذه الجامعة الرائدة في التعليم الجامعي الأهلي للفتيات التي وضعت لبناتها الأولى ملكة عظيمة هي الملكة عفت -رحمها الله- التي كانت زوجة لملك عظيم هو الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- وقد كان هذا التكريم من مؤسسة الاثنينية بقيادة مؤسسها الشيخ عبدالمقصود خوجة -حفظه الله- بداية موفقة لنشاط الاثنينية لهذا الموسم، بعد أن ترقب بدء أعمالها كل المهتمين بالمشهد الثقافي في بلادنا، وأخصص هذه المقالة للحديث عن الاثنينية، هذه المؤسسة الرائدة - التي كرمت خلال عشرات السنين مئات المفكرين والمثقفين والأدباء والمبدعين ذكورًا وإناثًا من كل أقطار الدنيا مع تركيز واهتمام بأبناء الوطن وبناته منهم، دون أي تحيُّز أو تمذهب أو تسيُّس، وكما علمت وقرأت، تجاوز عدد المكرمين والمكرمات أربعمائة شخصية، وفعاليات التكريم صدرت في مجلدات ضخام عددها تجاوز ثلاثين مجلدًا، ناهيكم عن طباعة ما يزيد عن مائة وخمسين مجلدًا تتجاوز صفحاتها سبعين ألفًا من أعمال المكرمين وسواهم من رواد الحركة الفكرية والأدبية والثقافية في العالم أجمع، وهذا الكم الهائل من الإصدارات يُطبع كله على نفقة هذه المؤسسة الخيّرة ويوزع مجانًا على المثقفين والمهتمين محليًا وعالميًا ابتغاء مرضاة الله وإسهامًا في نشر الوعي والمعرفة في أصقاع الأرض، وخدمة للفكر الإنساني عموما والإسلامي خصوصًا والوطني منه بشكل أشد خصوصية. وأقل ما يمكن أن يقال عن هذه المؤسسة الثقافية الوطنية الكبرى: إنها مؤسسة فريدة على مستوى العالم كله، فأنا من روادها منذ نشأتها الأولى أركن إلى مرتاديها وحاضريها من أقطار العالم كله وأتحدث إليهم دومًا، بالعربية والإنجليزية والفرنسية، وأسأل كل ضيف يأتي من الخارج دومًا سؤالًا معتادًا: هل لديكم شيء كهذا في بلادكم؟ ويكون الجواب دومًا بالنفي. وفي معرض حديثي عن الاثنينية، لابد في هذه السطور القليلة أن أتحدث قليلًا عن مؤسس هذا الصرح الرفيع الأستاذ عبدالمقصود خوجة ابن الأديب المكي الكبير محمد سعيد عبدالمقصود، وسعادته أديب ابن أديب وليس صديقًا للأدباء فحسب، ولعلي واحد من عشرات المشتغلين بالأدب الذين يترقبون كلمة سعادته في كل أمسية من أمسيات الاثنينية، لنشنف آذاننا لسماع تعريفه بضيفه في كل مرة، نستمع إلى ذلك الصوت الرخيم واللسان الفخيم، والعبارات الأنيقة والقولبة البلاغية غير العادية لمراحل حياتية إنسانية يمر بها المحتفى به قد تختلف أو لا تختلف عن مراحل حياتية لأناس آخرين. ولكن الأديب عبدالمقصود خوجة يخرجها إخراجًا أدبيًا رائعًا بحيث تكون كل سيرة لكل مكرم مختلفة تمام الاختلاف عن سيرة من سواه. إن أدب الخوجة في عرض السيرة الذاتية لمن يكرمهم في الاثنينية أصبح ولاشك فنًا قائمًا برأسه يستحق أن يُدرس بعناية، ويمكن إضافته إلى الفنون النثرية العربية المعروفة، أقولها بتجرد تام ومن وجهة نظر تخصصية بحتة، وقد وجهت بعض طلبتي في مرحلة الماجستير في قسم اللغة العربية ليختار بعضهم هذه السير لتكون موضوعًا لرسالة ماجستير بحيث تدرّس أسلوبيًا أو بلاغيًا أو لسانيًا بعد جمعها وتحليلها وسيتحقق ذلك قريبًا -إن شاء الله-. تلك بعض ملامح عبدالمقصود خوجة الأديب، أما أبومحمد سعيد الإنسان فملامحه أكثر وضوحًا وإشعاعًا يراها كل من ارتاد مجلسه ولو لمرة واحدة، فهو يقوم لكل من وصل للمجلس رغم مرضه وتعبه في بعض اللقاءات، وقد يقوم من كرسيه في المنصة كثيرًا لاستقبال أو وداع بعض الحاضرين، وعباراته المكية العذبة الجميلة تطرب لها الأذن وتعشقها القلوب: "على بيتنا نور"، "أنستونا"، وعباراته الأخرى تحمل عبق كرمه وأصالته: "ليس لي في مجلسكم هذا إلا الكرسي الذي أجلس عليه"، وهو المنفق من حر ماله الكثير الكثير والمضحي بوقته ووقت عياله والقاسي على صحته وسنه في كل ما يقدم للثقافة والمثقفين كما لم يقدم أحد قبله ولا بعده. نتمنى لهذا المعين الفكري الثر أن لا ينضب، وأن يستمر عطاؤه الثقافي الكبير دون انقطاع، وأن يمن الله على من أسسه وأجراه بين الناس بتمام الصحة والعافية ليواصل هذا العطاء دون توقف أو انقطاع. Moraif@kau.edu.sa