لم يكن المدير الذي تقف سيارته عند مدخل الشركة ليعاني من طول ساعات العمل وسط مكتب يعج بعوامل الترفيه كلها، ولم يكن المهندس المعماري ليعاني من لهيب ذلك اليوم الملتهب من أيام صيف الخليج وهو يصمم الرسم الهندسي لبرج سكني أمام حاسوبه في برج تجاري تزين مكاتبه الإضاءة الساحرة، وتبرد جوفه المكيفات الباردة، والتي تجعل بالفعل من العمل في ذلك المكتب متعة تبعث على التميز والإبداع. لكن الشباك الزجاجي الضخم الذي يمد المهندس نظرة خلاله كلما أراد الاسترخاء قليلاً، يُظهر رجالاً يرتدون زياً موحداً يبنون مجمعاً ضخماً على الناصية المقابلة، يصعدون «السقالات» تحت لهيب الشمس ليبنوا البرج الرئيسي في المجمع طوبة طوبة، يرتدون «خوذات» واقية، ويقفون على حافات المبنى قريباً من مكامن الخطر، وكلما أخذ الزمن من حياتهم نهاراً، زاد طول ذلك البرج أمتاراً إلى السماء، يظهرون مع بزوغ الشمس، يختفون مع غروبها، إنهم العمال الكادحون في شوارع المدن، الذين يهرعون كل يوم ليبنوا بنياناً، ويقيموا جسراً، ويعبّدوا طريقاً، وينظفون النفايات التي نلقيها في أرجاء المدينة. وإن كانت خطط التنمية تمر بمكاتب المسؤولين، وتمر أمام أعين المهندسين، والاستشاريين، إلاّ أنها لا تكون واقعاً ملموساً إلاّ حين تلمسها أيدي العمال، فمن يبني الأبراج غيرهم، ومن يقيم الطرق والكباري والجسور، ومن يمدد خطوط الخدمات ويوصلها للمساكن غير أولئك الكادحين، الذين دفع بهم قدرهم أن تقع على كاهلهم أصعب الأعمال وأكثرها مشقة، وأن يكون نصيبهم أقل الأجور وأدناها، في مفارقة صنعتها ثقافة عمل تحكمها مصالح القوى الكبرى في الأسواق، وتظفر بنتائجها الشركات المهيمنة على المشروعات، ويكون الفتات من نصيب أولئك الكادحين. وعلى الرغم من وجود مبادرات في المنطقة العربية للوقوف بصف العمال، وبيان حقوقهم، من خلال نقابات عمالية في بعض الدول العربية، إلاّ أن الحالة العامة توحي بتردي أوضاع العمال سواء العرب أو الوافدين إلى المنطقة العربية من مختلف بلدان العالم، ويسعى ناشطون ونقابيون إلى حث البلدان العربية على تفعيل الأنظمة التي تحمي حقوق العمال في أمور أساسية أهمها منح الحقوق، والسكن الملائم ووسائل النقل المناسبة وعدم التعامل التعسفي، وهي مطالبات وإن بدت مشروعة إلاّ أن تحقيقها يصطدم بعوائق شتى في رأي مراقبين ونقابيين محليين. نقابة عمالية وأكد "فالح العازمي" -نائب رئيس نقابة العمال في الكويت- على أن مناخ "الديموقراطية" التي عرفتها الكويت منذ وقت مبكر مهدت الطريق لولادة نقابة عمالية قيادية في المنطقة، فقد أدى ذلك إلى تأسيس نقابة العمال في الكويت، والتي توشك على الاحتفال بعامها ال(50)، مما يؤكد أنها تجربة متجذرة، وريادية على مستوى المنطقة، مضيفاً أن الإيمان بحقوق الإنسان في رؤية الكويت كدولة مكن نقابة العمال الكويتية من العمل في بيئة تتمتع بالشفافية ووضوح الرؤية تجاه حقوق العامل، سواء كان الكويتي أو المقيم، وهو الأمر الذي أدى إلى المساهمة في الاستقرار الوظيفي والنفسي للعمال بشكل ملحوظ، مبيناً أن شعور العامل أن هناك جهة تتبنى مواقفه، وتدافع عن حقوقه، وتترافع عنه في المحافل، وتطالب بتحسين وضعه، لاشك أن له مردوداً إيجابياً على العمال في الكويت طيلة العقود الماضية، مُشدداً على أن تحسن وضع العمال في الكويت انعكس بشكل ايجابي على الكويت كدولة، وعلى سمعتها في المحافل الدولية، ذاكراً أن الحركة الاقتصادية القوية في منطقة الخليج على وجه التحديد وتدفق العمال إليها من مختلف دول العالم، إضافةً إلى عمالتها الوطنية، كل ذلك يحتم على المنظومة الخليجية أن تبادر إلى تأسيس كيانات تعنى بحقوق العمال، وهي خطوات بدأت في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر بتأسيس جهات تعنى بالعمال وتدافع عن حقوقهم، وهي خطوة إيجابية وينتظر منها الكثير. وأضاف أن هناك حساسية تجاه العمل النقابي في بعض الدول العربية، وترتفع تلك الحساسية بسبب استقلالية تلك النقابات وارتباطها بمنظمات دولية، إلاّ أن ذلك لا يجب أن يكون حائلاً دون تأسيس جهات مستقلة تخدم تلك البلدان أولاً من خلال تحسين سمعتها في المحافل الدولية، بسبب ما قد يكون من تردي أوضاع العمال بها، وفي الوقت ذاتها تساهم في تحسين بيئة وظروف عمل العمال بتلك الدول، مطالباً بتغيير النظرة التقليدية للعمال في المنطقة العربية، كونها تتصف بالدونية أحياناً، والتهميش، وعدم منح كامل الحقوق من المقابل المادي المجزي والسكن الملائم ووسائل النقل الآمنة، مبيناً أن مجموعة القيم من الدين والإنسانية والشيم في المنطقة العربية تؤدي دوراً مكملاً للأنظمة في إكرام العمال البسطاء، والشعور بظروفهم، وهي سمة عربية غريزية تكمل ما تعجز الأنظمة عن تحقيقه في أحيان كثيرة. تحول وحراك ويبدو أن هناك حراكاً نحو التحول إلى العمل النقابي المُقنن تجاه حفظ حقوق العمّال في المملكة العربية السعودية، حيث تحدث "نضال رضوان" -رئيس اتحاد اللجان العمالية في السعودية- قائلاً: إنه يوجد في المملكة حالياً ما يسمى باللجان العمالية، وهي وإن كانت ليست نقابة، إلاّ أنها تؤدي دور النقابات مع اختلافات بسيطة حسب ما وصفها، مضيفاً أنه يندرج تحت اتحاد اللجان العمالية (27) لجنة في (27) شركة تشكل مجموع الاتحاد الحالي، مشيراً إلى أنه يرأس اتحاداً تأسيسياً، يعمل على تأسيس الاتحاد بشكله المتكامل، مبيناً أنهم ماضون قدماً من أجل قياد اتحاد لجان عمالية مستقل، قادر على بيان حقوق العمال والدفاع عن تلك الحقوق في حالة مسها، مشدداً على أن أنظمة العمل المعمول بها في المملكة تكفل حقوق العامل بشكل لا يقبل الشك، مؤكداً على أن الإشكالية الحقيقية تكمن في تطبيق هذه الأنظمة ومعاقبة مخالفيها، وهو أمر مرتبط بقدرة وزارة العمل من خلال جهاز التفتيش العمالي في الوزارة، ذاكراً أن أعداد المفتشين في هذا الجهاز لا يمكنهم بأي حال من الأحوال أن يسيطروا على هذا العدد المهول من العمال في البلاد، إلاّ أن الخطوات التطويرية لجهاز التفتيش العمالي، بدأت تعمل على تطوير آلية العمل بشكل يوحي بتطبيق أنظمة العمل في المملكة بشكل أفضل. وأضاف أن الجهود الرسمية غير كافية بمفردها ما لم يبدِ أصحاب الأعمال تفهماً لأهمية التعاون مع الوزارة في سبيل تطبيق الأنظمة لحفظ حقوق العمال، مُعترفاً بوجود مشاكل يواجهها العمال الحرفيون في المملكة، مبيناً أن مستوى سكن العمال، والعمل تحت الشمس، وساعات العمل، وغيرها تُعد مشكلات يجب التصدي لها. غياب القوانين وأوضح "جعفر خليل إبراهيم" -الأمين العام المساعد للإعلام والنشر بالاتحاد العام لنقابات عمال البحرين- أن تدني تطبيق القوانين أو غيابها يترك أثراً سلبياً على العمالة في البلدان العربية، مضيفاً: "أعتقد أن غياب القوانين في الدول العربية والخليجية التي تنظم عمل العمالة المهاجرة الوافدة سواء العربية منها أو الأجنبية، يترك لأصحاب العمل فرصة في انتهاك حقوقهم، ويمنحهم فرصة لوضع شروط عمل تصادر حقوقهم، كما أن عدم التصديق على أهم الاتفاقيات المختصة بحفظ حقوق العمال يترك حيزاً كبيراً لتلاعب أصحاب العمل بحقوق العمال المهاجرين الوافدين". وحول أداء العمل النقابي في المنطقة، قال: كان أداء النقابات في الوطن العربي منذ تأسيسها نشطاً وفعّالاً، فقد نشأت النقابات من رحم النضال ضد الاستعمار، حتى تطورت وارتقت مع تطور الوعي وانتشار التعليم وأصبحت اهتماماتها متعددة، إلى أن تجد اليوم النقابات تهتم بنشر التعليم والخدمات الاجتماعية المتنوعة، ذاكراً أنه قد تمتلك بعض النقابات في الوطن العربي المعاهد والتعاونيات والفنادق والمنتجعات الخاصة بالعمال وغيرها من المشروعات المتعددة، وهذا يعني التطور في التفكير العمالي المواكب إلى التغيرات في العالم، ومن هنا نستطيع تقييم التجارب العربية من خلال عطائها المستمر في خدمة العمال ودورها في مساندة العمال وتعزيز ومكانتهم. مكاسب معنوية وأكد ""جعفر إبراهيم" على أن مهمة النقابات هي انتزاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للطبقة العاملة لمختلف شرائح العمال، وكذلك الدفاع عن العمال وتحقيق أكبر قدر من المطالب العمالية والحفاظ على المكاسب العمالية، مشيراً إلى أن من مهام النقابات تحقيق المكاسب المعنوية التي لها علاقة باحترام حقوق العمال الإنسانية، وتعديل القوانين والتشريعات ذات الصلة بالشأن العمالي، وكذلك تحقيق بيئة عمل صحية وسلمية، حيث يتطلب ذلك نضالاً وإصراراً من قبل النقابيين، وكذلك تواصلاً مستمراً مع إدارات الشركات سواء من خلال الحوار أو المفاوضة الاجتماعية، أو المساومة وقد يضطر النقابيون اللجوء والضغط بأساليب نقابية مختلفة للوصول إلى تسويات تصب في صالح الطرفين العمال وأصحاب العمل. وأعتبر دول الخليج المشارك الأول في القضاء على الفقر العوز في العالم من خلال توفير الوظائف المختلفة للعمالة المهاجرة من جميع أنحاء العالم، مبيناً أن هناك مليارات الدولارات تصدر بشكل شهري من دول الخليج إلى مختلف البلاد في العالم من تحويلات العمال إلى عائلاتهم. دور مهم ووسط ضجيج الآليات وأصوات العمال الواقفين في أعلى مبنى تحت الإنشاء، تحدث "محسن كامل" -عامل في مجال البناء-، قائلاً: إن العمال الحرفيين يلعبون دوراً مهماً في عملية البناء والتطور، لكنهم في المنطقة العربية لا يحظون بالتقدير المادي والمعنوي الذي يتماشى والدور المهم الذي يلعبونه في التنمية، مضيفاً أن العامل أي كان سواء بناء أو سباك أو كهربائي أو أي مهنة أخرى يُنظر له أنه مجرد عامل، بينما في الواقع أنه ما كان لتلك المباني ولا الطرق أن تُبنى لولا سواعد هؤلاء، مطالباً الشركات الكبرى التي تتولى تنفيذ المشروعات أن تأخذ بعين الاعتبار الحقوق المادية والجانب النفسي لعمالها. وأوضح "بابو لال" -آسيوي يعمل في المملكة منذ 20 عاماً- أنه يسكن في سكن ملائم، وينقل في حافلة مكيفة، ويحظى باحترام هو زملاؤه من قبل رؤسائهم، لكنه ليس راضياً عن راتبه الشهري، مُشدداً على أنه أغلب العمّال غير راضين عن ما يتقاضونه من أجر بالنظر إلى شعورهم بأنهم يعملون في أعمال شاقه، وينفذون أعمالاً صعبة في مجال الإنشاءات والبناء، مشيراً إلى أن الغالبية العظمى من العمال الذين يعملون في شركات كبرى يحظون بسكن جيد، ويحصلون على حقوهم، مؤكداً على أن الذين يعيشون أوضاعاً ليست جيدة هم أولئك العمال الذين يعملون بالأجر اليومي في الشوارع. وضع جيد وأوضح "توم" -آسيوي- أنه تجرع تجربة مريرة، فقد كان يعمل في مؤسسة صغيرة تؤخر رواتبه، ولم يكن يسكن في سكن ملائم، لكن حملة تصحيح أوضاع العمال في المملكة أتاحت له نقل خدماته إلى شركة كبرى، لديها مشروعات عملاقة، مبيناً أنه حالياً يعيش في وضع جيد من حيث السكن وعدم تأخر الحقوق المادية، وكذلك وسائل النقل الجيدة، مؤيداً "بابو لال" في أن ما يتقاضاه من أجر أقل مما يقدمه من عمل يومي. وأشار "ضياء الدين غازي" -يعمل في المملكة منذ 25 عاماً- إلى أنه مهما كانت الظروف الحالية التي يعيشها بعض العمال فإنهم يعيشون مستوى معيشة جيد بالنظر إلى ظروفهم المعيشية في بلادنهم، مُثنياً على دور العمال، وأنهم يؤدون أعمالاً جيدة، وكذلك على حسن التعامل من قبل الشركات، ذاكراً أن الاحترام للعامل وتحسين ظروفه تطور في الشركات الكبرى، مؤكداً على أن هناك عمّالاً يعيشون ظروفاً صعبة ممن أسمامهم بالذين يعملون عند غير كفلائهم، أو الذين يعملون في الشارع بشكل مخالف للأنظمة. رجل أعمال يعيد منزل عامله الفلبيني ويخصص لهم مصروفاً شهرياً تأبى الجوانب الإنسانية إلاّ أن تظهر وتقول كلمتها على الرغم من سوداوية الصورة أحياناً، فقد استقدم رجل أعمال سعودي عاملاً «فلبينياً» أصيب بمرض السرطان بعد خدمة امتدت ل(20) عاماً، ما أضطر أسرته لبيع منزلهم للصرف على علاجه، إلاّ أن رجل الأعمال زار الأسرة وقرر أن يشتري منزلهم ليعيده إليهم، وخصص مصروفاً شهرياً لهم في موقف مشهود كتبت عنه الصحافة في حينه. وقال «عبدالله السالم» -رجل أعمال-: فعلتُ ذلك لأن الرجل خدم المؤسسة لأكثر من عقدين من الزمن بإخلاص وتفانٍ كبيرين، كان عاملاً مميزاً، مخلصاً، منجزاً، وكان يستحق أن نحفظ له كل ما أعطى للمؤسسة من خدمات جليلة، مضيفاً: «زرت أسرته بالفعل وقدمت لهم العزاء، وأعدت لهم منزلهم الذي باعوه من أجل علاجه، وخصصت لهم مصروفاً شهرياً». ولم تقف مواقف «السالم» عند ذلك، فقد أقام في منزله احتفالاً كبيراً لمشرف المشروعات وهو رجل هندي يعد أول موظف في المؤسسة بعدما تقدم عمره، وأراد أن يتقاعد، وكرّمه في حفلة حضرها كل موظفي المؤسسة، الأمر الذي كان له وقع كبير في نفوس الجميع. صنادق مساكن العمال.. تقتل الأحلام وتحبس الأنفاس في أطراف بعض المدن العربية تتخذ مساكن العمال مكاناً قصياً، تكون خلاله أقرب إلى الأحياء المهمشة والعشوائيات، حيث تفتقد إلى أبسط الخدمات، الغريب أن بعض الشركات تحرص على تكديس أعداد كبيرة في غرفة واحدة!. في هذا الجانب، شدّد "د.سعد المشوح" -أستاذ الصحة النفسية المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- على أهمية أن يكون السكن المخصص للعمّال لائقاً بالإنسان، وأن يشعر أولئك بأنهم في سكن يوحي باحترامهم كبشر، على أن يتوفر به المرافق الرئيسة، مبيناً أن تهميش العمّال وعدم احترام إنسانيتهم وحقهم في الحصول على سكن لائق يشعرهم بالتهميش والحرمان. وقال: من غير اللائق أن نخصص أماكن فقيرة للخدمات لأن تكون سكناً للعمّال، ذاكراً أن تكدس عدد كبير بغرفة واحدة، وتخصيص دورة مياه واحدة لهم أمر يستدعي المعالجة، وعلى أصحاب الشركات ألاّ يبحثوا عن توفير المال في جانب السكن. وأضاف: السكن هو مكان لراحة للعمّال بعد عناء يوم شاق وطويل، وبالتالي إذا لم يكن ملائماً ومريحاً، فإن العامل في اليوم التالي لن يقدم عملاً منجزاً بالنظر إلى ما ينتابه من شعور التهميش وعدم الاحترام. وأشار إلى أن سكن العمال في منازل ليست ملائمة قد يؤدي إلى الاكتئاب، وإلى سلوك عدواني لدى هؤلاء العمّال تجاه المجتمع، خاصةً وأن ذلك العامل الوافد قد باع ما يملك، وترك الدار والولد هرباً من الفقر، وبحثاً عن العيش الكريم. على الحكومات العربية تعزيز الحرية النقابية والسماح بإنشاء منظمات عمالية حرة ومستقلة أكدت السيدة "ندى الناشف" -مديرة المكتب الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية- على أن المنطقة العربية تكافح في هذه المرحلة المصيرية من أجل معالجة مشاكل تاريخية من جهة، ولتقديم مسار واضح للاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي للأجيال الحالية والمستقبلية من جهة أخرى. وقالت ل"الرياض": إنه من المتوقع أن تؤدي مستويات البطالة الحالية العالية بين الشباب وانخفاض مستويات العمالة الإجمالية، إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والتباطؤ الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة العربية في السنوات المقبلة. وأضافت أنه في ظل هذا الوضع، فقد برزت الحركة العمالية خلال الأعوام القليلة الماضية كقوة مهمة في المنطقة العربية، مطالبةً بسياسات تعزز الأمن الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وقيم الكرامة الإنسانية. وأشارت إلى أن هناك عوامل في منطقتنا يجب معالجتها لضمان حقوق العمال والحريات المدنية وسبل العيش المستدامة، والتي أبرزها البطالة والفقر وغياب المساواة والأنشطة الاقتصادية غير المنظّمة والهشاشة، مبينةً أنه يتوجب على حكومات الدول العربية تعزيز الحرية النقابية والسماح بإنشاء منظمات عمالية حرة ومستقلة عن سلطة الحكومة وديمقراطية وتمثيلية. وشدّدت على أن الحرية النقابية لجميع فئات العمال -بما فيهم المهاجرين والنساء والشباب- تُعد حقاً تمكينياً كما ورد في إعلان منظمة العمل الدولية حول العدالة الاجتماعية عام 2008م، مؤكدةً على أنها تسهل الحصول على حقوق عمالية أخرى في سبيل تحسين الأجور وظروف العمل، وتفسح المجال أمام نقابات تمثيلية ديمقراطية. وقالت: تبقى مشاركة العمّال في النقاشات الاقتصادية والاجتماعية وصياغة السياسات محدودة أو معدومة، حيث لا تزال الحكومات إضافةً إلى كبار أصحاب العمل تتعاطى مع مثل هذه المشاركة بمثابة تهديد لنجاح السياسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية المفروضة السائدة، والتي غالباً ما تكون غير منفتحة للبدائل الإنمائية. وأضافت: فيما يتعلق بمعايير العمل الدولية، التي تُشكّل أساس العمل اللائق ومحور عمل منظمة العمل الدولية، تبقى معدلات المصادقة على اتفاقيات منظمة العمل الدولية متدنية في المنطقة العربية، مؤكدةً على أنه يتطلب التحول الحقيقي في المنطقة نحو تحقيق العمل اللائق تحولاً فعلياً في مجال حقوق العمّال من خلال الاعتراف الفعلي بها وتطبيقها، ذاكرةً أن الأمر يتطلب أيضاً الاعتراف بحقوق العمال المهاجرين وتطبيقها، فهم يعانون من ظروف عمل قاسية ومن مستويات أجور منخفضة جدا مقارنة بالعمال الوطنيين. وأشارت إلى أنه تبقى المطالبة بالعدالة الاجتماعية، وتوفير فرص الحياة اللائقة للفرد وللأسرة، واحترام كرامة الفرد وهويته وثقافته وقيمه، وتبقى هذه مطالب يجب أن تتحقق من خلال توفر فرص العمل اللائق للجميع، ذاكرةً أن أي نموذج تنموي جديد عليه أن يُؤسس على احترام معايير العمل الدولية، وكذلك حقوق العمل وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وعلى إجراء حوار فعّال بين العمّال وأصحاب العمل والحكومات، وباحترام حقوق وأدوار كل طرف من هذه الأطراف.