استطاعت دول مجلس التعاون الست الوصول إلى تحقيق الكثير من المزايا الاقتصادية والتي تم توظيفها في صالح المواطنة الخليجية بالإضافة إلى تنمية العلاقة بين القطاعين العام والخاص. وعلى المستوى الإقليمي تمكنت دول المجلس منذ تأسيسه عام ١٩٨١ من تحقيق المنطقة الحرة حيث تم إلغاء القيود الكمية على التجارة بين دول المجلس بشكل تدريجي وارتفع بذلك حجم التبادل التجاري من ٦ مليارات دولار عام ١٩٨٣ إلى ٢٠ مليار دولار عام ٢٠٠٢ واستمر الوضع حتى تم الانتقال إلى المرحلة الثانية من الوحدة الاقتصادية وهي مرحلة الاتحاد الجمركي، حيث ساعد في تحرير التجارة بين دول المجلس من خلال توحيد التعرفة الجمركية على التجارة بين دول الأعضاء والدول غير الأعضاء وانتقال السلع بين الدول دون قيود جمركية أو غير جمركية ومعاملة السلع المنتجة في دول المجلس معاملة المنتج الوطني دون تمييز وتم تمديد الفترة الانتقالية حتى عام ٢٠٠٧. ومع بداية عام ٢٠٠٨ تم إعلان السوق الخليجية المشتركة حيث تم فيها إلغاء القيود على عوامل الإنتاج وتحقيق مبدأ الكفاية في استغلال الموارد الاقتصادية في ظل آلية السوق. واستكمالا للوحدة الاقتصادية بين دول المجلس، جاءت الدعوة من العاصمة الرياض حيث دعا خادم الحرمين الشريفين إلى الاتحاد الاقتصادي الكامل بين الدول والذي سيتضمن توحيد السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء بهدف إزالة التمييز بينها وتوحيدها ويشترط الاتحاد إنشاء البنك الخليجي المتحد بالإضافة إلى العملة الموحدة وتوحيد السياسات الاقتصادية من خلال إنشاء هيئة عليا مشتركة تكون قرارتها ملزمة للجميع. ولا شك أن القمة القادمة (٣٥) تعتبر من أهم اللقاءات الخليجية التي ستتم فيها مناقشة مستقبل دول المنطقة والمصالح الاقتصادية الخليجية خاصة أن دول المنطقة تشهد تغيرات كبيرة حيث نلاحظ التغيرات التي طرأت في أسعار النفط وانخفاضها بنسب ليست بالقليلة وكذلك بطء النمو الاقتصادي في بعض الدول الخارجية والتي تستورد الطاقة في الإنتاج بالإضافة إلى التقدم في الوصول إلى بدائل النفط في بعض الدول المتقدمة صناعيا. إن هذه التحديات تجعل دول المجلس تلغي التعريفات الجمركية والقيود الكمية على التجارة بين الدول المشتركة بشكل تدريجي. وتم الاستفادة من ذلك في زيادة التجارة البينية بين دول المجلس وارتفع حجم التبادل التجاري من ٦ مليارات دولار عام ١٩٨٣ إلى ٢٠ مليار دولار عام (٢٠٠٢). واستمرت نحو 20 عاما حتى نهاية ٢٠٠٢ ليحل محلها الاتحاد الجمركي، وعلى مستوى التنمية الاقتصادية تم بذل الجهود الكثيفة في سبيل تفعيل السوق المشتركة بين دول المجلس. كما توصلت دول المجلس إلى تفعيل قيام الاتحاد الجمركي الموحد حيث أدرك المسؤولون أهميته في سبيل توطيد التعاون بين القطاع الخاص الخليجي، ومواجهة الواردات الخارجية وتنمية الصادرات. ودعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للتحول من التعاون بين دول المجلس إلى الاتحاد خطوة يحلم بتحققها جميع أبناء دول المجلس نظرا للمزايا التي تنعكس على الاقتصاد الخليجي وتجعله اقتصادا واحدا معززا بالمكونات الاقتصادية المتنوعة لدى دول المجلس. دول الخليج الست لم تستعد لمثل تلك الدعوة، ولم تكن جاهزة، وكل المحاولات التي سعت لها الأمانة العامة في مجلس التعاون الخليجي في الفترة الأخيرة بعد الأزمة المالية التي ضربت الغرب، باءت بالفشل. كان على رأس تلك الدعوات محاولة تحقيق الوحدة النقدية، وعدم تمكنها من تنفيذ بنود الاتحاد الجمركي في الفترة الزمنية المحددة. وبدأت دول الخليج تبحث عن صيغة تقود إلى تحقيق هذا الاتحاد، ولكن يبدو أن الظروف الإقليمية والدولية لم تمكن دول الخليج من تحقيق مثل تلك الوحدة التي أصبحت أمنية أكثر منها حقيقة على أرض الواقع. ولقد اكتشفت دول الخليج أن القطاع الخاص لا يتجاوز دوره عن دور المنفذ للتشريعات فقط في معظم دول الخليج. وكان القطاع الخاص خلال الفترة الماضية بعيدا كل البعد عن دور المبادر في صياغة مثل تلك التشريعات التي تتعلق بالتنمية الاقتصادية والتي تقود إلى التكامل الاقتصادي وكلها كان يحتكرها القطاع العام. وهي إحدى العوامل الرئيسية التي وقفت عائقا أمام تحقيق قرار التحول إلى الاتحاد الخليجي. ولا يعني التكامل فقط بين الدول الخليجية الست، بل هو تكامل مطلوب وأساسي بين القطاعين الخاص والعام في كل دولة من دول المجلس. لذلك نجد أن التجارة البينية في دول الخليج هي أقل حتى من التجارة العربية البينية بين الدول العربية عام 2010 حيث تصل النسبة إلى 8.3 في المائة بين الدول العربية، بينما تنخفض النسبة بين دول الخليج إلى 6 في المائة، وبينما نجد النسبة بين دول الآسيان تصل إلى 25.5 في المائة ولكنها ترتفع بشكل كبير بين دول الاتحاد الأوروبي تصل إلى 67.4 في المائة. فالاتحاد الأوروبي بدأ فقط باتفاقية لتنظيم إنتاج الفحم والصلب لأن الأوروبيين أدركوا أن المصالح الاقتصادية المشتركة سبقت الأهداف السياسية التي تفرق ولا تجمع و«أن نبدأ متأخرا خير من أن نسير في طريق خاطئ» لا يوصل إلى تحقيق فكرة الاتحاد التي أعلنها الملك عبدالله في قمة خليجية وتبنتها بقية الدول ولكنها لا تقود إلى تحقيق فكرة الاتحاد. الأزمة الأخيرة مع دولة قطر كانت خير شاهد على عدم تحقيق الوحدة السياسية لكن يمكن أن تنسق سياساتها بما لا يضر مصالح دول المجلس كمجلس تعاوني مشترك. وتعتبر المصالح الاقتصادية أقوى صيغة يمكن أن توصل إلى الاتحاد الخليجي لأن الاتحاد يسبقه تكامل اقتصادي. فالمشاركة في صياغة التشريعات التي تتعلق بالتنمية الاقتصادية بجانب الشراكة الكاملة مع القطاع الحكومي تذيب الفوارق بين القطاعين وهما طريق للقضاء على الفساد في القطاع الحكومي. ولكن يحتاج القطاع الخاص ممثلا في الغرفة التجارية في دول الخليج منحه صلاحيات كاملة لمراجعة برامج التنمية الاقتصادية لتطوير هذا القطاع إلى دور الشراكة الكاملة بين القطاعين من جانب وبين الدول من جانب آخر. وهذه الصلاحيات تفوض القطاع الخاص بإدارة ثروات دول الخليج التي يمكن أن تواجه ممانعة من بعض الجهات السياسية في دول الخليج. ووفق التصنيفات الدولية، صنفت وكالة إم إس سي آي السعودية وقطر ودولة الإمارات على درجة الأسواق الناشئة بسبب نشاط البنية التحتية التي تتولاها الحكومات في هذه البلدان. وهناك تقرير جيد عن أداء دول الخليج، وهذا التقرير أشار إلى الأداء الجيد في النمو الاقتصادي المتصاعد. والانتعاش يتركز بشكل رئيسي في أسواق العقار، بجانب المبادرات الحكومية المستمرة والمعززة للبنية التحتية الاجتماعية، ويمكن أن يقفز حجم الاقتصاد الخليجي إلى ثلاثة تريليونات دولار بنهاية عام 2020. فيجب توجيه هذا النمو لصالح الاتحاد الذي هو بحاجة إلى سرعة اتخاذ قرارات في ظل وجود أجهزة مفرغة عن العمل غير متوائمة ومناسبة مع نمو الاقتصاد الخليجي الذي بلغ حجمه عام 2002 نحو تريليون دولار، بينما بلغ بنهاية عام 2012 نحو تريليوني دولار. وعندما تتحول دول الخليج من التعاون إلى الاتحاد فهي مرشحة للتوسع والنمو الاقتصادي أكبر مما هي عليه الآن. * أستاذ التسويق في جامعة الملك عبدالعزيز