في حادثة اختلاس تعد الأكبر في المصارف الحكومية العراقية، تمكنت موظفة في «مصرف الرافدين»، وبمساعدة أشخاص ومصارف أهلية، من اختلاس 500 بليون دينار (415 مليون دولار)، ما أجبر الحكومة، بسبب تكرار جرائم الاختلاس الكبرى، إلى اعتماد إستراتيجية جديدة تسمى «الأمن المصرفي». وأكد المصرف المركزي العراقي في بيان رسمي حصلت «الحياة» على نسخة منه، أن «موظفة في مصرف الرافدين ارتكبت عدداً من التجاوزات على حسابات المصرف بالتواطؤ مع بعض زبائنه، مستغلةً فرصة انجازها أكثر من خطوه في العمل، ما أدى إلى تحويل مبالغ ضخمة من حسابات المصرف إلى حسابات زبائن متواطئين في عدد من المصارف». وفور علم «المركزي» بالحادث، شكل خلية أزمة مع إدارة «مصرف الرافدين»، ووجهت المصارف التي تم تحويل الأموال إلى زبائنها بإعادتها فوراً إلى «مصرف الرافدين». وأعيدت كل المبالغ باستثناء جزء منها لدى مصرفين أهليين يجري التعامل معهما حالياً وفق الأطر القانونية وإجراءات السلطة النقدية. وقال المستشار الاقتصادي للحكومة العراقية مظهر محمد صالح لـ «الحياة» إن «حوادث الاختلاس والتلاعب بدأت تتكرر في العراق أخيراً، وهكذا جرائم تحصل في المنظمة المصرفية لأكثر الدول رصانة في نظامها المصرفي». وأضاف أن «الحكومة قررت بدء تنفيذ خطة للإصلاح المصرفي من الناحية الأمنية، وهي موجودة ضمن إستراتيجية الإصلاح المعلن عنها». وأوضح أن «الخطة الجديدة تهدف إلى تعزيز الإجراءات الأمنية في التعاملات المصرفية كافة عبر إخضاع الموظفين لسلسلة من الدورات للتعريف بالجرائم الحديثة وتعميم ما يحدث من جرائم لزيادة الوعي، إضافة إلى تحديث آليات التحويل والمقاصة وصرف الشيكات». وأكد مصدر في «المركزي» لـ «الحياة» تشكيل لجنة تحقيق مع هيئة النزاهة ووزارة المال، التي تعود لها ملكية المصرف، ودائرة الجريمة الاقتصادية في وزارة الداخلية للتحقيق في الحادث وكشف ملابساته والمتورطين وضمان عدم تكراره. وكشف المفتش العام لوزارة المال أن «ثلاثة أشخاص فتحوا حسابات في مصرف الرافدين وحصلوا على دفاتر شيكات، أصدروا لبعضهم شيكات قيمتها 500 بليون دينار، 140 بليوناً منها تسحب عبر مصرف البلاد الإسلامي، و350 بليوناً عبر مصرف الشمال، وهما من المصارف الخاصة». وأشار إلى أن «عدد الموظفين المسؤولين عن أو رفض سحب الشيكات والتأكد من مطابقتها وتوفر الرصيد في مصرف الرافدين عددهم ثلاثة موظفين». وأوضح أن «أحد الموظفين المسؤولين في إجازة، أما الثاني فتم توقيفه من قبل الشرطة بناءً على شكوى من امرأة ادعت أنه سرقها في الطريق، ولم يتبق إلا موظفة واحدة وافقت على السحوبات وتم تحويل 500 بليون دينار لحسابات الأشخاص الثلاثة». وأضاف: «بعد عملية التحويل المالي اختفت الموظفة التي حولت المبلغ، وأوقف مدير فرع مصرف الرافدين الذي جرى منه التحويل، وهرب كل الموظفين الآخرين الذين تربطهم علاقة بالقضية». من جهته، أكد مدير «مصرف الرافدين» باسم كمال الحسني أن «المصرف استطاع حجز الأموال التي سرقتها الموظفة خلال 48 ساعة»، عازياً هذا الخرق إلى «اعتماد المصرف على منظومة الكترونية جديدة لم يعتد الموظفون على استخدامها بعد». وكان مصدر في الشرطة العراقية أشار أخيراً إلى اختفاء موظفة في أحد المصارف بعد اختلاسها 40 بليون دينار من أصل بليون حولتها إلى مصرفين أهليين، مؤكداً وجود استنفار أمني للبحث عنها بعد صدور مذكرة توقيف بحقها». وكان المسؤول التنفيذي لشركة «بي يبلان» البريطانية شيركو العابد أكد لـ «الحياة» أن شركته أنجزت ما يعرف بالنظام المصرفي الالكتروني الشامل لصالح «مصرف الرافدين» عام 2010، ولكن إدارة المصرف رفضت تشغيله لأسباب مجهولة. وأضاف أن هذا النظام كان سيقضي على الجرائم في المصرف الذي يمتلك أكثر من 250 فرعاً في العراق ويستحوذ على 47 في المئة من إجمالي النقد المتداول في العراق». وتعرض المصرف لهزات عنيفة تتعلق بالاختلاسات، أكبرها أنباء من فرع الفلوجة عن شخص تمكن من استخدام أوامر صرف مزورة لصالح شركة استثمارية ونجح في سحب بليوني دينار، إلى جانب جريمة المحاولات الوهمية ما بين «مصرف البصرة» و «مصرف الرافدين» فرع القصر الأبيض بمبلغ 120 بليون دينار، وجريمة استبدال نقود مزيفة بحقيقية في فرع براثا.