فيما توجهت الأنظار أمس (الجمعة) إلى جدة ترقباً لقرار اتحاد كرة القدم المتعلق بمصير المدرب الإسباني لويس كارو إن بالإبقاء عليه أو فسخ التعاقد معه، بعد أن تعالت الأصوات المطالبة بالإطاحة به عقب الخروج بخفي حنين من بطولة كأس الخليج ال22 التي اختتمت قبل نهاية الشهر الفائت، ولأن القرار المرتقب هو الإقالة، فإن هذا يعني أن اتحاد الكرة سيبحث أمر التعاقد مع مدرب جديد قبل أقل من شهر من الذهاب إلى استراليا للمشاركة في كأس أمم آسيا 2015، ما لم يعلن اتحاد الكرة الإبقاء على لوبيز، ولأننا في الكرة السعودية نعيش واقعاً مريراً في علاقتنا مع المدربين، فذلك يعني أن الكرة السعودية تعاني إدارياً، بسبب ضعف قدرات الأشخاص الذين يديرون عمليات التعاقد مع المدربين. في السعودية فقط، يقترب النصف الأول من بطولة الدوري من نهايته، وتتم الإطاحة بأكثر من نصف مدربي فرق الدوري، بل إن بعض الفرق أقالت مدربيها لأكثر من مرة، مثل نجران الذي قاده حتى الآن مدربين في 11 لقاء، وهجر والاتحاد اللذان قادهما ثلاثة مدربين لكل منهما، فيما حافظ البقية على مايمكن أن يعتقدون أنه استقراراً بتغيير المدرب لمرة واحدة، وهذه الفرق هي الرائد، التعاون، الفتح، النصر، والشباب، في حين لايزال مدربو خمسة فرق هي الهلال، الخليج، الفيصلي، العروبة، الأهلي، والشعلة، في مناصبهم في ما يمكن وصفه بصمود مثير للإعجاب. أرقام مخيفة تكشف أن الكرة السعودية تعاني على مستوى الإدارة كثيراً، فجل القائمين على الأندية لايعرفون كيفية اختيار المدربين المناسبين لفرقهم، وهي عدوى وصلت للمنتخب السعودي منذ سنوات طويلة، ربما تجتهد الإدارات وتنتدب مدربين كبار بمبالغ كبيرة، لكن الفشل يكون مصير مثل هؤلاء.. الأمثلة والشواهد كثيرة، والماضي غير البعيد يشهد بذلك، إذ نتذكر جيداً كيف تعاقد اتحاد الكرة مع البرازيلي الشهير كارلوس البرتو باريرا قبل مونديال 1998 في فرنسا، وهو الذي حقق في نسخة 1994 البطولة الأغلى في أميركا برفقة الشهير الآخر ماريو زاغالو، قبل أن يخوض بيريرا تجربة فاشلة مع "الأخضر"، الأمر الذي يمكن تفسيره بانتهاء طموحاته عند الحصول على لقب نسخة 1994وهنا لابد من الإشارة إلى تعدد التجارب على مستوى المنتخب، وآخرها كان التعاقد مع الهولندي فرانك ريكارد الذي حقق العديد من المنجزات الرائعة مع برشلونة قبل أن يخوض تجربة فاشلة في تركيا، ليظفر بعدها بعقد يسيل له اللعاب لتدريب المنتخب السعودي، قبل أن يغادر من الأبواب الخلفية في "خليجي 21" في المنامة. على صعيد الأندية، يمكن الحديث عن أسماء حضرت في السنوات الخمس الأخيرة للملاعب السعودية، وهي أسماء تحمل سير ذاتية مميزة، وكانت مغرية للتعاقد معها، لكن تلك التعاقدات كانت مع مدربين مميزين في التوقيت والمكان الخاطئين.. خذوا مثلاً، البلجيكي برودوم وهو مدرب كبير في بلجيكا، حضر للشباب وقدم مستويات رائعة مع الفريق، ويمكن القول إن تجربته هي الأنجح من بين هؤلاء، لكن رحيله المفاجئ مطلع الموسم الماضي يعطي نفس الإنطباع السلبي عن الجدوى من التعاقد مع أسماء كبيرة. الفرنسي انتوان كومبواريه، حقق نتائج رائعة في الدوري الفرنسي، دفعت الهلال للتعاقد معه مقابل مبالغ مالية كبيرة أملاً بإعادة التجربة الاستثنائية للبلجيكي أريك غيرتس، لكنه لم ينجح، شأنه شأن الألماني الشاب توماس دول، وهو المدرب الصاعد في ألمانيا قبل تعاقده مع الهلال، إذ تعاقد الهلال مع هذين المدربين من أجل بناء فريق منافس يستطيع إبقاء الفريق في محيط المنافسة الدائمة على الألقاب، لكنهما أخفقا في تحقيق الطموحات الهلالية، ليدخل الهلال حينها في دوامة البحث عن مدربين في وسط الموسم، ما دفع الإدارة حينها للبحث عن مدربين عاطلين، مثل الأرجنتيني كالديرون، والتشيكي هاشيك، وغيرهم، حتى جاء الهلاليون بالوطني سامي الجابر ليصنع فريقاً عجزت هذه الأسماء عن صناعته. التجربة تكررت مع الأهلي بالتعاقد مع البرتغالي فيتور بيريرا صاحب الاسم اللامع في الملاعب البرتغالي والذي عجز عن وضع بصمته مع "الراقي"، وحدثت أيضاً مع الشباب الذي تعاقد مع البرتغالي خوزيه مورايس الذي عمل مساعداً للبرتغالي الشهير مورينهو في انترميلان الإيطالي وتشيلسي الانجليزي وريال مدريد الإسباني، لكن مورايس أيضاً لم ينجح مع الشباب، والحال ذاته ينطبق على النصر بتعاقده مع الإسباني راؤول كانيدا بعد تخليه عن مدربه الذي أعاده للبطولات الأورغوياني دانييل كارينيو بسبب مبالغته في اشتراطاته المالية ليتخلى النصر عن كانيدا ويتعاقد مع الأورغوياني داسيلفا، الأمر الذي يمكن معه التأكيد على أن النصر دفع مبالغ مقاربة لقيمة تجديد عقد كارينيو. هذه التجارب ليست إلا أمثلة على فشل القائمين على الفرق السعودية وأحيانا القائمين على المنتخب باختيار المدرب المناسب في التوقيت المناسب وللمهمة المناسبة، وهي معضلة كبيرة تسببت في تشويه سمعة الملاعب السعودية في أوساط المدربين الذين يخشون المجيء إلى المملكة خوفاً من شبح الإقالة، وتسبب أيضاً بالمزيد من الخسائر المالية، إذ فاقمت من المشاكل والضغوطات المالية على الفرق السعودية، في حين بقي الاستقرار غائبا، ما تسبب في تراجع مستويات فرق الدوري، لينعكس بالسلب على الفريق الوطني. من المهم جداً التأكيد على ضرورة التعاقد مع مدرب يعرف جيداً عقلية اللاعب السعودي ويرغب في تطويرها، ومن المهم التأني وعدم الاندفاع خلف السير الذاتية للمدربين وإن كانت مغرية فليس كل مدرب يستطيع تحقيق النجاحات المنتظرة في الملاعب السعودية، وهو أمر مطلوب من اتحاد الكرة التفكير جدياً به والاستفادة من تجارب الأندية، التي هي الأخرى مطالبة بالتعلم من الدروس السابقة، وإيقاف هذا العبث الإداري والنزيف المالي.