دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس، البنك المركزي والحكومة للتحرك تجاه إيقاف المضاربات على الروبل الذي تدنى لمستويات قياسية في الأيام الماضية إزاء الدولار واليورو. ووفقا لـ "الفرنسية"، فقد أشار بوتين في كلمته السنوية أمام البرلمان، إلى أنه لا يمكن لسعر الروبل أن يصبح موضع مضاربات بلا أي عقاب، مطالبا البنك المركزي والحكومة باتخاذ تدابير صارمة لردع المضاربين عن المراهنة على تقلبات أسعار العملة. وسجلت العملة الروسية مستويات قياسية جديدة من التراجع في الأيام الأخيرة أمام الدولار واليورو، وبالإجمال فقد هبط الروبل أكثر من 40 في المائة مقابل اليورو وأكثر من 60 في المائة مقابل الدولار، وتسارع انهياره بعد قرار منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" الحفاظ على سقف إنتاجها النفطي رغم فائض العرض في الأسواق. وأضاف بوتين أن السلطات تعلم هوية المضاربين وأن لديها الوسائل للتصدي لهم معتبرا أن الوقت قد حان لاستخدام هذه الوسائل، دون أن يوضح ما إذا كان يقصد المضاربين الروس أو الأجانب. وعرض بوتين إعفاء كاملا للذين يرغبون في إعادة رساميلهم إلى روسيا، في حين تشهد البلاد هروبا كثيفا للرساميل يهدد اقتصادها الذي يعاني الانكماش، مقترحا إعفاء كاملا على الرساميل التي تعود إلى روسيا، لكنه قال إننا سنفعل ذلك الآن، ولكن لمرة واحدة، وينبغي أن يستفيد منه من يرغبون في ذلك. وأشار الرئيس الروسي، إلى أنه إذا ما أضفى شخص الصبغة القانونية على ممتلكاته وأمواله في روسيا سيحصل على ضمانات قانونية قوية، ولن يكون هناك أي استجواب من جانب السلطات الضريبية أو الأمنية، مضيفا: إننا نعرف أن المال تكون له مصادر مختلفة، ولكني مقتنع بضرورة غلق صفحة إيداع الأموال في الخارج في تاريخنا الاقتصادي إلى الأبد. ويعتقد بعض الاقتصاديين أنه بعد سنوات من النمو أثناء رئاسة بوتين، باستثناء الأزمة المالية العالمية في 2008، فقد بدأ يلوح في الأفق مستقبل اقتصادي قاتم رغم تصريحات الكرملين المطمئنة. وغداة يوم شهد هبوطا حادا للروبل أمام الدولار واليورو بعد انهيار مستمر منذ مطلع العام، كشفت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية توقعاتها لعام 2105 ومفادها أن جميع المؤشرات في انخفاض. ففيما كانت الحكومة تراهن على نمو إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 1.2 في المائة، بدأت ظلال الانكماش تلوح عبر نمو سلبي بلغ -0.8 في المائة بحسب التوقعات الأخيرة. وأعربت روسيا عن أملها في إحراز 0.6 في المائة لعام 2014 مقابل 0.5 في المائة بحسب التوقعات السابقة، مع نمو في الفصل الأخير يفترض أن يكون معدوما، أو يسجل انخفاضا طفيفا، بحسب أليكسي فيديف نائب وزير الاقتصاد. وكانت العملة الروسية سجلت انخفاضا قياسيا جديدا أمس وصل إلى 54.82 روبل للدولار، وانخفاضا هو الأول في تاريخه مقابل اليورو بلغ 67.82 روبل، في أسوأ انخفاض له منذ الأزمة المالية في روسيا في 1998. ويعزو البعض تضرر الروبل بشكل كبير إلى العقوبات الغربية وانخفاض أسعار النفط التى وصلت في الأيام الأخيرة لأدنى مستوى منذ خمس سنوات، مما أثر بشكل كبير في الاقتصاد الروسي حيث تشكل صادرات النفط والغاز مصدر الدخل الرئيس للميزانية الفيدرالية، وساعد في هبوط الروبل بشكل كبير. وفيما يشعر عديد من المحللين بالقلق بشأن المستقبل الاقتصادي للبلاد، ما زالت السلطات الروسية تتردد في تغيير نهجها بالنسبة للأزمة الأوكرانية بينما ينزلق الاقتصاد للركود. وعلى صعيد العقوبات، ذكر بوتين أن الأزمة الأوكرانية لم تكن سوى ذريعة لفرض عقوبات على بلاده استغلها الغرب الساعي منذ زمن بعيد لوقف تقدم روسيا، مستبعدا أن تكون العقوبات الغربية رد فعل مستاء من الولايات المتحدة أو حلفائها. واعتبر بوتين أنه حتى من دون الأزمة الأوكرانية وضم القرم لكانوا ابتكروا شيئا آخر للحد من قدرات روسيا المتنامية، مشددا على أن هذه الطريقة في التصرف ليست بجديدة، لكنه أشار إلى أن موسكو لا تعتزم بأي حال من الأحوال قطع علاقاتها مع أوروبا وواشنطن بسبب الأزمة في أوكرانيا. ويعتبر التوتر بين روسيا والغرب الأسوأ منذ انتهاء الحرب الباردة في 1991 وترتبت عليه عواقب كبيرة على الاقتصاد الروسي الذي يعاني العقوبات الغربية، كما توقعت أن تدخل رسميا في الانكماش في 2015. وقال بوتين إن بلاده ستواصل التعاون مع الغرب وإن روسيا دولة قوية ستتغلب على الصعاب التي تواجهها في الوقت الراهن، ومستعدون لمواجهة أي تحد وأن ننتصر، وإن بلاده لن تختار سبيل العزلة وستواصل التعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا رغم الأزمة الأوكرانية، موضحا أن العقوبات الغربية التي فرضت خلال الأزمة قدمت حافزا للاقتصاد الروسي، وأن بلاده ستظل منفتحة على الاستثمارات الاجنبية. لكنه أشار في الوقت ذاته إلى رغبته في تعزيز وتوسيع العلاقات التقليدية مع القارة الأمريكية الجنوبية ومواصلة التعاون مع إفريقيا ودول الشرق الأوسط. ولم يفت بوتين أن يوجه انتقادا جديدا للولايات المتحدة التي يقول إنها تسعى للتأثير، سواء في الكواليس أو بشكل مباشر، في العلاقات الروسية مع جيرانها. ويواجه الاقتصاد الروسي تحديات أخرى على غرار تبعات العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على موسكو لاتهامها بدعم شرق أوكرانيا الانفصالي. ويتوقع أن تثقل العقوبات التي تطال روسيا كاهل النمو الاقتصادي، وهذا يعني أن أكثرية المصارف والشركات الروسية لن تتمكن بعد ذلك من الحصول على رساميل في الأسواق العالمية، بحسب تقرير وزارة الاقتصاد. وتشكل العقوبات إحدى أسباب الهجرة الواسعة النطاق للرساميل التي يتوقع أن تصل إلى 125 مليار دولار عام 2014 لتتراجع إلى 90 مليارا في العام التالي بحسب الوزارة، كما سيعاني السكان تضخما مرتفعا من المتوقع أن يبلغ 9 في المائة في 2014 و10 في المائة في النصف الأول من 2015. من جهة أخرى، تشهد أسعار السلع المستوردة الارتفاع الأهم، على غرار منتجات مجموعة "أبل" الأمريكية التي ارتفعت أسعارها فجأة الأسبوع الماضي بنسبة 25 في المائة، فى الوقت الذى توقعت فيه وسائل الإعلام الروسية أن ترتفع أسعار تذاكر السفر لأكثر من 12 في المائة. وكشف الرئيس الروسي أمس عن برنامج لتقليل الاعتماد الملح على التكنولوجيات والسلع الصناعية الأجنبية، وألمح إلى أن الحكومة الروسية ستقيم مركزا خاصا للتنسيق يكون من شأنه تعزيز الإنتاج التكنولوجي الوطني، معتبرا أن الأولوية بعيدة المدى تتضمن تحقيق إحلال كبير للواردات.