أكد المشاركون في الجلسة العلمية الأولى لليوم الثاني لفعاليات ملتقى التراث العمراني الرابع بمنطقة عسير أمس أن الاستقرار الأمني والسياسي في المملكة ساهم فيما تشهده من نهضة حضارية ومشاريع حديثة في مجال التراث العمراني. كما شملت الجلسة عرض عدد من التجارب الناجحة في مجال تأهيل وتطوير التراث العمراني على مستوى دولي، أدارها الدكتور صالح بن علي الهذلول من جامعة الملك سعود، بمشاركة كل من: نائب وزير ثقافة جمهوية البيرو الدكتور لويس كاستينو وأمين محافظة الطائف المهندس محمد المخرج والدكتور فابيو جارمنتيري من الأرجنتين، بجانب الدكتور فواز كيالي من سورية. واستعرض نائب وزير ثقافة البيرو تجربة بلاده التقنية في توثيق مواقع التراث العمراني، معرجاً على ما تمتلكه البيرو من أماكن ومواقع أثرية تعود لآلاف السنين، أبرزها طريق الإنكا الذي سجل في قائمة التراث العالمي لمنطقة الأمم المتحدة "اليونسكو" في يونيو 2014م بفضل الجهود المشتركة من قبل البيرو وبوليفيا والإكوادور وتشيلي وكولومبيا والأرجنتين، لافتا إلى أن الدول الخمس بدأت في تصميم مشروع "فاباق نيان" بهدف المحافظة على قيمته الطبيعة. وشدد على أن عمليات التوثيق كانت العامل الأول للمحافظة والاهتمام بالمواقع التراثية، بجانب الصور الفوتوجرافية، من جهته، تناول الدكتور فابيو جارمنتيري تجربة إدارة التراث العمراني الأرجنتيني في القرن الـ 19 والـ 20 وعلاقتها بالتعليم، وقال: "الحفاظ على التراث العمراني في أميركا اللاتينية أتى متأخر بسبب الحروب التي مرت بها المنطقة، ولكن بعد ذلك تسارعت أعمال الحفاظ في الفترة ما بعد 1900م وقد أدى ذلك إلى تبادل الآراء والخبرات التي جعلت الأرجنتين بمثابة البوتقة في هذا المجال". ونوه بأهمية التصاميم العمرانية التي كان من أسبابها حركة زيارات الوفود الخارجية، خاصة في مرحلة الاستعمار التي مرت بها البلاد، حيث أدت إلى تشكيل تصاميم طبيعة ومختلفة، أدت بدورها إلى طابع عمراني جديد. وتابع: "إن التراث وطبيعة العمران بالأرجنتين تأثرا بالموديلات الأوروبية، ما أثر في ثقافة البلد ما بين القرن 19 و 20"، مؤكدا في الوقت نفسه أن الأوروبيين سيطر في تراثهم العمراني المسار الغربي بسبب تأثرهم بالأحقاب السابقة. وأن الحداثة اللاتينية أتت في الثلاثين عاما الأخيرة بحركة متسارعة. وأردف: "أيضاً في الثمانينات بدأت المدن بالحركة العمرانية الحديثة منطلقة من البعد الجغرافي والتاريخي والأثري للأرجنيتن، وفي التسعينيات بدأ ربط بين المواقع التاريخية والتطور الاقتصادي وإعادة عمليات البناء والتطوير ليس في المنازل القديمة، بل عملت الدولة على وضع قانون أيضاً للحفاظ على المواقع الأثرية والتاريخية". فيما ركز المهندس محمد المخرج على تجربة الأمانة في تطوير وسط مدينة الطائف "المنطقة التاريخية"، وذكر أن تجربة أمانة الطائف في إعادة التراث العمراني تُعتبر نموذجية بحكم أن الأهالي من مُلاك العقارات وأصحاب المحال التجارية تعاونوا وتجاوبوا وشاركوا في مشروع تطوير المنطقة التاريخية بوسط المحافظة. ولم يخف وجود معوقات تواجه الأمانة في سرعة إنجاز المشروع، منها ازدحام وسط الطائف، وعدم السماح بالعمل في كل الأوقات، وعدم تجاوب بعض شركات الخدمات في إزالة المعوقات. وأكد مستشار منظمة اليونسكو دانيل بيني في الجلسة العلمية الثانية بعنوان "جدة التاريخية كمثال" أن سلامة خطوات المملكة دفعت المنظمة لتسجيل منطقة جدة التاريخية ضمن المواقع العالمية، ممتدحا سلامة خطوات الترميم والحفاظ على هوية المنطقة، مؤكدا في الوقت ذاته أنه واثق بقدرات المملكة على مزيد من الاهتمام بمنطقة جدة وباقي المواقع. فيما لفت مدير عام فرع الهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة مكة المكرمة محمد العمري إلى أن منطقة جدة التاريخية ستكون في مقدمة المستفيدين من إنشاء شركة الضيافة السعودية التراثية، وأن هناك عددا من الشركات ورجال الأعمال قد أبدوا تجاوبا كبيرا للمساهمة في الأعمال التطويرية المقبلة.