×
محافظة المنطقة الشرقية

بالفيديو.. فضائية مصرية تعلن وفاة حسني مبارك

صورة الخبر

معرض بيروت للكتاب مناسبة سنوية ينتظرها الكتّاب والناشرون والجمهور الباحث عن الجديد والقديم في عالم الكتب. وكعادته كل عام يشهد المعرض سلسلة من النشاطات التي ترافق ايامه، بعضه ينظمه النادي الثقافي العربي المشرف على المعرض وبعضه الآخر مفتوح امام الجميع بلا معايير ولا شروط. وكل عام ايضاً يتجدد السجال حول المعرض وواقعه والمشكلات التي يواجهها وهي الى مزيد من التراكم. هنا مقاربة للمعرض وجولة فيه. < الاستمرار في إقامة معرض الكتاب العربي والدولي في مدينة بيروت شمعة تقاوم الظلام الدامس الذي يلفّ المنطقة. ويمكن الكتابة في هذا المعنى الكثير، فالمعرض ملاذ واقعي أخير للمثقفين الذين لم يلتحقوا بعالم الإنترنت بعد، وهو بنظرهم يعيد الاعتبار الى الكتاب الورقي بعدما صار الكتاب الإلكتروني أياً كان عنوانه أو موضوعه سهل التحميل وبدقائق قليلة على الكومبيوتر، حتى ليمكن القول ان من الممكن للقارئ حمل مكتبة كاملة معه أينما ذهب. بل ويمكن إضافة عبارات الشوق والحنين إلى ماض مضى كان «عصراً ذهبياً» ايام كان المعرض يستقطب اعداداً كبيرة من المشاركين والمفكرين والمثقفين ودور النشر من أنحاء العالم العربي. هناك الكثير الكثير مما يمكن المعرض أن يحتمله في الوصف والتوصيف، لأنه يستحق ذلك أولاً، ولأننا نفعل ذلك دائماً في أدبياتنا الثقافية وأنشطتها، أن ننفخ القليل ليصبح كثيراً، وأن نضخّم كل بارقة أمل مشعة رغم خفوتها وقلة حيلتها وذهاب المعنى منها وتلاشي القيمة التي تقدمها. التأكيد والحفاظ على بارقة الأمل لأننا نحيا على الأمل الذي لولا فسحته ما كان أضيق العيش، ولأن معرض كتاب مهما قلّت حيلته، هو بمثابة وردة في هذه المرحلة الضامرة من تاريخ لبنان الحديث. لكن المبالغة في إخفاء العيوب قد لا تكون مفيدة على المدى الطويل، إذ لا يمكن غض النظر عن النشاطات الثقافية التي يقيمها المعرض في عناوينها، ولا عن غياب الشباب عن المشاركة في هذه النشاطات وفي زيارة المعرض، ثم هناك موضوع القراءة بحد ذاتها، ثم ما تقدمه لنا دور النشر العربية لنقرأه. يردد عدد من أصحاب دور النشر في المقابلات والتحقيقات الكثيرة التي تنشر مترافقة مع معرض الكتاب، أن الترجمة عن لغات أخرى باتت مكلفة، لذا تقوم هذه الدور بترجمة الكتّاب المشهورين والحاصلين على جوائز نوبل للأدب لأنها تجذب المشترين، أو نشر الكتب العربية التي تربح الجوائز العربية الكثيرة. هذا رغم أن اختيار الكتب الرابحة يخضع لأمزجة أصحاب الجوائز، وهي أمزجة عريقة في تقادمها... عدا ذلك فلا حاجة الى الترجمة أو النشر، لأن الكتب متراكمة منذ سنوات ولأن عدد القراء في تناقص مستمر. وليس جديداً تكرار أن دور النشر العربية مجتمعة تترجم سنوياً ما يعادل ما يُترجم في أي بلد أوروبي صغير. الترجمة الخافتة دليل آخر على تأخر وتخلّف، وسنوات العرب الذهبية في العصر العباسي التي يتغنى بها كثر ويعملون على استرجاعها لم تحدث إلا بعد ازدهار الترجمة والنقل عن اللغات الأخرى. عدم الاطلاع على ما تنتجه الثقافات العالمية الأخرى يبقي القارئ العربي في دوامة الكتب العربية التي في غالبها تدور في الإطار نفسه. في الادب هي شعر ورواية، وفي السياسة آراء وأفكار مختلفة جلّها يدخل في إطار العرافة والتبصير، وفي الاجتماع يغلب الاستنكاف عن «إعادة النظر» أو «تقليب» الأفكار والايديولوجيات المسيطرة على المشهد العام. القارئ الحصيف والمتابع والمتطلب والمجدد إذا وجد كتاباً ينفعه في أجنحة المعرض، فإنه يكون كمن وجد لقيا ثمينة. وفي النهاية، فإن أرقام الكتب الأكثر مبيعاً التي تعلن في نهاية المعرض ما هي إلا دليل صارخ على تأخر الكتاب وتراجعه. هذا حال الثقافة العربية بعامة وليس ما يحصل في بيروت فقط أو في معرضها. ظلّت الكتب والأنشطة كما كانت عليه قبل عقود، وكأن شيئاً لم يحدث في العالم العربي منذ اعوام. كأن ما يحدث على الأرض مفصول عن تهويمات الكتب وعوالمها، أو لكأن «الثورات» هي مجرد عناوين بلا مضامين، أو أن الذين أشعلوها وما زالوا بشر من عالم آخر لا علاقة لهم بالنتاج الثقافي العربي الذي لو كان حياً فعلياً، لكان الانقلاب وقع في عالم الكتاب أيضاً. متى يطاول الربيع العربي عالم الكتاب؟ ولو تأمّل أحدنا في عناوين الكتب المعروضة اليوم، فما هو المختلف الذي سيجده فيها عما عرض قبل اعوام، بل ولربما سيجد أن معرضاً قبل اعوام كان أكثر حداثة وإثارة للإشكاليات من معرض اليوم. ولكن يمكن دوماً استثناء قلة من الكتب لقلة من الكتاب على مستويات عدة تشكل خطوة نحو الأمام، لكنها وحدها لا تكفي بصفتها «نخبوية» وموجهة الى شريحة نادرة من القراء. الشباب العربي في مكان والكتاب والمعارض في عالم آخر. دخل الشباب العربي عالم الإنترنت واستخدموه أيما استخدام في الدعوة إلى الثورة أولاً، حتى سمّيت «ثورات الربيع العربي» في بداياتها بثورات «الإنترنت»، ثم في مرافقة أقرانهم من شباب العالم في ثورة الاتصالات الهائلة ثانياً. تمكّن الشباب العربي من الإفصاح والقول بلا مهابة أو خوف على شبكة الإنترنت وعالمها الواسع الذي يحتمل قرّاء كثراً من الشباب، ويحقق تشاركاً كبيراً بين الكتّاب ومتابعيهم في التعليق وإدارة النقاش والوصول إلى نتائج مشتركة في هذه السجالات التي يتقدم اليوتيوب والفايسبوك والتويتر لائحتها. فإذا كنت حراً في أن تنشر ما تشاء على الإنترنت بل وتجد من يتفاعل معك، فلماذا تلجأ إلى عالم الكتب الورقية المترع بالرقابات الغريبة العجيبة التي تبدأ برقابة الكاتب لنفسه، ثم رقابة دار النشر له، ثم رقابة الأمن على دور النشر. هكذا يصبح عالم الكتاب ودور نشره والمعارض التي تشترك فيها أمراً مضحكاً بالنسبة الى الشباب الداخلين في عالم موازٍ أكثر أماناً واطمئناناً وتفاعلاً وتواصلاً. أساساً ينشر شباب هذه الأيام في الكتب الورقية ما كانوا قد كتبوه ونشروه على مواقع التواصل الاجتماعي. أما عناوين النشاطات والمحاضرات في معرض الكتاب العربي في بيروت فمن الواضح أن معظمها وضعها اشخاص خارج ثقافة العصر ما زالوا متعلقين بالافكار القديمة وكأن المعرض هو في سنوات انطلاقة الاولى. فما هي المحاضرة أو النشاط الذي قد يجذب شاباً يهوى الموسيقى أو يرسم الغرافيتي على جدران المدينة أو يمارس الرقص المعاصر أو يكتب شعراً حداثياً مختلفاً أو أي شاب يسعى الى إثبات وجوده وأقرانه ثقافياً؟ الإجابة: ولا نشاط من الانشطة. انها اساساً نشاطات لا تجذب أي جمهور، إذ غالباً ما يكون عدد الحاضرين فيها مساوياً لعدد المحاضرين أو يقل عنه. وهنا الفضيحة الكبرى. واستنكاف الشباب من تلقاء أنفسهم أو بطردهم من خضم العملية الثقافية «المعرضية» هو موت للثقافة وقتل لها، لأن الشباب هم العنصر المجدد غالباً وعموماً، وهم الذين ينقلون الخطاب القديم إلى عالم جديد وأفق مختلف، وهم المقياس لنجاح أي بادرة ثقافية. فمثقفونا العرب المسنّون فكرياً، ما زالوا يناقشون قصيدة النثر والشعر الحديث ومقارنته بالشعر العامودي وما زالوا يصرخون في البراري حول الوحدة العربية، أو حول الهجمة الإمبريالية على المنطقة. إنهم يصرخون في وديان لا تُرجع صدى، وصراخهم لا يصل إلى أحد، بل يبقى عالقاً بينهم ولا يوصل إلى الأجيال الجديدة التي تفتحت ثقافياً في بدايات القرن الجديد، سوى الضجر والملل. لا يمكنك أن تترك شمعة في مهب الريح، هذا مع التأكيد أن المعرض شمعة. وما عاد بالإمكان الرهان على الكتاب العربي كي ينتج ثقافة مختلفة طالما أنه يتخبط في عالم قديم وبعيد من أفكار وأحلام وآمال تتوق إلى المعرفة الجديدة والمختلفة. ومجرد الاحتفاء بمعرض الكتاب البيروتي أو أي معرض آخر في العالم العربي، سنوياً وعلى المنوال نفسه وبتضخيم كبير لدور هذا المعرض أو ذاك، والترديد الكثيف بأن المعرض متنفس وضرورة في عالم عربي تبلغ فيه نسب الأمية أرقاماً مخيفة، مجرد هذا التكرار والنفخ والترديد هو دلالة على الفراغ العام الذي تعيشه الثقافة العربية وتحديداً في مجال الكتب ونشرها وبيعها.