×
محافظة المنطقة الشرقية

الحد الأدنى للأجور يحمي المواطنين من السعودة السلبية

صورة الخبر

حين قررت الحكومة المصرية في بداية تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الرئاسة تخفيض دعم المحروقات وزيادة أسعار الكهرباء، ما سبب ارتفاع أسعار بعض السلع، لم يضع الرئيس الجديد نصب عينيه مدى تأثر شعبيته بتلك القرارات التي عطلتها لعقود المخاوف من ردود فعل شعبية. وتمكن الحكم الجديد من تمرير تلك القرارات في ظل صراع محتدم مع جماعة «الإخوان المسلمين» التي سعت إلى استغلالها، للتأثير في شعبية الرئيس، لكن الفقراء غالبوا غضبهم أملاً بتقدم اقتصادي مأمول. لكن، بدا أن هذه الشعبية تخضع لاختبار بفعل الحكم الأخير بإسقاط اتهامات قتل المتظاهرين والفساد عن الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه ورجل الأعمال الفار حسين سالم وتبرئة وزير داخليته حبيب العادلي ومساعديه من تهمة قتل المتظاهرين، فما إن نطق القاضي بالحكم حتى زخرت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات أتت في معظمها منتقدة النظام الحالي، وتظاهر مئات قرب ميدان التحرير وهتفوا ضد السيسي. ولوحظ أن شعارات ولافتات الثورة عادت من جديد في تظاهرات طلاب الجامعات التي طغت عليها منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي شعارات «رابعة» ومطالب عودة مرسي إلى الحكم، وهي التظاهرات التي كانت تستقطب طلاب «الإخوان» ومؤيديهم فقط. لكن اليومين الماضيين شهدا تظاهرات في جامعات عدة، شاركت فيها قوى غير إسلامية، حتى أن طلاباً رفضوا في تظاهراتهم رفع أي من المشاركين فيها شعارات «رابعة»، وحرصوا على التمايز عن تظاهرات «الإخوان»، بأن رفعت لافتات كُتب عليها: «يسقط كل من خان: عسكر وفلول وإخوان». واعتبر المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي أن يوم الحكم بتبرئة مبارك ورجاله «يوم أسود في تاريخ مصر»، متعهداً «التصعيد» حسب تطورات المشهد. وكان صباحي شارك رؤساء أحزاب في اجتماع عقد في مقر حزب «الكرامة» لمناقشة تداعيات تبرئة مبارك. وشارك في الاجتماع ممثلو أحزاب «الكرامة» و «الدستور» و «التحالف الشعبي الاشتراكي» و «التيار الشعبي» (تحت التأسيس) و «مصر الحرية» و «المصري الديموقراطي الاجتماعي» و «العدل». وقالت الأحزاب في بيان إن «التيار الديموقراطي يرفض إهدار دماء وحقوق الشهداء والمصابين كما يرفض إهدار حقوق الأجيال التي عاصرت ما يقرب من ثلاثين عاماً من الفساد والاستبداد والظلم وسياسات الإفقار المتعمد والتبعية. ثلاثون عاماً من الفشل الذي أودى بحياة الآلاف من المصريين، إلى جانب جرائم الإفساد السياسي وتزوير الانتخابات والاحتكار والخصخصة الفاسدة للقطاع العام وانتهاء بمشروع التوريث». وأكدت أن «نظام مبارك الذي مد جذوره في كل مؤسسات الدولة وتشريعاتها تحالف ضد العدالة وانحاز إلى جانب الفساد والاستبداد، ما تسبب في هروب الجاني من جريمته من دون محاسبة أو قصاص»، مطالباً السلطة الحالية «وعلى رأسها رئيس الجمهورية بما له من سلطة التشريع الموقت» بتفعيل وتطبيق «قانون الغدر وقانون حماية الثورة»، وأن يسارع النائب العام إلى الطعن بالنقض على الحكم «وبيان أسباب الطعن بياناً دقيقاً حتى لا يعطي مجالاً للقضاء بعدم قبوله، وأن تتدخل السلطة التنفيذية لتعديل مدد التقادم وسقوط الدعوى الجنائية في قضايا الأموال العامة حتى لا تكون عرضة للضياع» مثلما حدث في اتهامات الفساد ضد مبارك ونجليه. وأعلنت «بدء حملة شعبية تحت شعار حاكموهم، لإجراء محاكمات جادة لكل جرائم النظام وأركانه لبيان كل جرائم الفساد السياسي والمالي التي أثرت في الأمن الوطني والقومي، ودعوة كل القوى السياسية لتقديم ما لديها من أدلة متوافرة حتى تكتمل أركان المحاكمة على وجهها الصحيح». ودانت استخدام العنف من جانب وزارة الداخلية «إزاء التظاهرات السلمية التي خرجت تعبر عن غضبها من تبرئة رموز الفساد والإفساد في مصر»، وطالبت مجدداً بضرورة تعديل قانون التظاهر «وإنهاء المواد التي تتعارض مع الحق الدستوري في التظاهر السلمي من دون قيد أو شرط والإفراج الفوري عن كل المحبوسين على ذمة هذا القانون غير الدستوري». وحذرت من أن «غياب مفهوم العدالة داخل المجتمع يهدد تماسكه وينذر بخطر كبير ويهدم تماسك الشعب الذي تجلى في ثورتين شعبيتين أطاحتا نظاماً فاسداً وآخر مستبداً». وقال صباحي في مؤتمر صحافي أعقب الاجتماع إن الحكم ببراءة مبارك «يوم أسود في تاريخ مصر، ولحظة تتطلب أن يكون هناك موقف حاسم تجاهها»، موضحاً أن «التيار يؤيد كل التظاهرات التي ستخرج تعبيراً عن حال الغضب في الشارع... التظاهرات تعبير سلمي عن غضب مشروع، وليست احتجاجاً على حكم قضائي. سنتخذ سلسلة من الإجراءات تتصاعد على ضوء التطورات». وأضاف: «دخلنا في تحالف 30 يونيو للتخلص من حكم الرئيس السابق محمد مرسي، ولسنا مستعدين للاستمرار في تحالف يسلم الثورة مرة أخرى إلى مبارك». وطالب السيسي بـ «أن يفصح إن كان مع الثورة وأهدافها أم مع من يملأون الإعلام بالتبشير بعودة نظام مبارك… إذا وقف الرئيس مع الشعب فسنكون معه، وإذا لم يقف فسنكون مع الشعب ضد أي سلطة». وكانت قوى سياسية محسوبة على تيار الثورة بينها «تنسيقية شهداء الثورة»، وأخرى مؤيدة لجماعة «الإخوان المسلمين» منها «تحالف دعم الشرعية» و «طلاب ضد الانقلاب» دعت إلى تظاهرات اليوم تحت شعار «يوم الغضب». وحض التحالف أنصاره على «مواصلة الحراك الثوري والتجمع في مليونية غضب حاشدة في كل الميادين». كما دعت حركات طالبية إلى التظاهر في كل الجامعات ضد براءة مبارك. وكانت جامعات عدة شهدت تظاهرات أمس. وبدا أن جماعة «الإخوان» سعت إلى استغلال تلك الحالة، لكسب جولة في المعركة ضد النظام الحالي، فكثفت من دعايتها لحض قوى الثورة على «التوحد من جديد» ضد نظام الحكم. وكان آخر تلك المحاولات بيان روجته أذرعه الإعلامية منسوباً إلى «شباب الإخوان المسلمين»، وجهوا فيه رسائل إلى «شركاء الثورة»، من أجل «القصاص العادل للدماء التي سالت لنحيا أحراراً كراماً على أرض وطننا الغالي مصر». وخاطب البيان «كل الشركاء الثوريين من الليبراليين والإسلاميين والاشتراكيين والمستقلين»، قائلاً إن «كل القوى الثورية ومن ضمنها الإخوان أخطأت في حق ثورة يناير، وهم الآن يدفعون جميعاً ثمن أخطائهم من دمائهم وأرواحهم». وحرض على النظام، معتبراً أن «الانقلاب لم يكن على مرسي والإخوان، ولكنه كان على ثورة يناير وشبابها، بدليل أنه ينتقم الآن من الجميع، وهو ما ظهر جلياً خلال محاكمات الثوار وتبرئة مبارك ورموزه». ودعا «جميع قوى الثورة الحقيقية» إلى «أن تتوحد من جديد ضد الحكم العسكري… وإعلاء مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ونبذ كل الخلافات والمزايدات، ووقف لغة التخوين فوراً». ورفض المنسق العام لـ «حركة شباب 6 أبريل» التعليق على بيان شباب «الإخوان» قبل «دراسته من جانب المكتب السياسي للحركة». وقال لـ «الحياة»: «كل ما أقوله إننا لن نقبل بضياع ثورة يناير». لكن الناطق باسم «تيار الشراكة الوطنية» القيادي السابق في «6 أبريل» محمود عفيفي قال لـ «الحياة»: «لا نقبل بأن نمد أيدينا إلى الإخوان، لأنهم ومبارك وجهان لعملة واحدة. هم في الخندق نفسه مع نظام مبارك، ولن نتصالح أو نتفاعل معهم... ننادي القوى الثورية الحقيقية للتفاعل والاتحاد». وأكد أن «التيار الثالث ستدفعه براءة مبارك إلى التماسك والتوحد من جديد. ننوي توحيد القوى الثورية في اتجاه واحد، هو التوافق على عدم التنازل عن أهداف ثورة 25 يناير والقصاص لشهدائها». واعتبر أن «براءة مبارك ليست وحدها التي ستؤثر في شعبية السيسي»، داعياً الرئيس إلى «اتخاذ خطوات للتفريق بينه وبين نظام مبارك... ننتظر أن يفرق نفسه عن نظام مبارك عن طريق خطوات حقيقية على أرض الواقع وانحياز لا لبس فيه إلى مطالب الثورة، ولن نحكم على تلك الأمور قبل أن تنجلي تماماً». وكانت الرئاسة أكدت في بيان أنه «لا يجوز التعقيب على أحكام القضاء، إعمالاً لنصوص الدستور، ومبدأ الفصل بين السلطات». وأكد السيسي أن «مصر الجديدة التي تمخضت عن ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ماضية في طريقها نحو تأسيس دولة ديموقراطية حديثة قائمة على العدل والحرية والمساواة ومحاربة الفساد، تتطلع نحو المستقبل، ولا يمكن أن تعود أبداً إلى الوراء». واتفق الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية نبيل عبدالفتاح مع عفيفي في أن الحكم «لن يؤثر بمفرده في شعبية الرئيس». وقال إن «شعبية السيسي رهينة بعديد من الأمور على رأسها تحقيق حال من الاستقرار الأمني والقدرة على بناء جسور حقيقية من الحوار مع أبناء الطبقة الوسطى الشابة وأيضاً القدرة على تمثيل المصالح الاقتصادية والاجتماعية لمجموعات اجتماعية في مصر منها أبناء الطبقة الوسطى في المدن والوسطى الصغرى في الريف، وبعض من الغالبية الشعبية، وبالتالي تأثر شعبية السيسي لن يكون بسبب عامل واحد، بل بعوامل منها الحكم على مبارك بالبراءة». ولفت إلى أن «الحكم يلقي بظلال على العلاقات التي نستطيع أن نصفها بأنها مضطربة وبها جفوة بين النظام الجديد والطبقة الشابة، إذ يتم تفسير الحكم على أنه تعبير عن أن الأمور لم تتغير في مصر في أعقاب العملية الثورية في 25 يناير، خصوصاً في ظل وجود مراكز قوى إعلامية من القطاع الخاص تحاول إعادة تصحيح صورة النظام السابق على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. هذا يؤجج الغضب لدى القطاعات الشابة من طلائع الحركة الثورية». واعتبر أن «الشهور المقبلة فترة تحدٍّ للنظام الجديد سواء على مستوى استكمال ما يسمى بخريطة الطريق ومدى امتثاله للقيم الديموقراطية أو مدى قدرة النظام الجديد على محاولة تجسير الفجوة بينه وبين الأجيال الشابة من طلائع العملية الثورية». وقال: «رغم استقلال القضاء، إلا أن القطاعات الشابة ليست لديها من المعرفة القانونية ولا تاريخ القضاء المصري ما يسمح لها بتفهم الجوانب التي أسست عليها المحكمة حكمها، ومن ناحية أخرى أدت بعض الاضطرابات منذ هجوم جماعة الإخوان على القضاء المصري خلال الفترة التي حكموا فيها إلى تأثر هؤلاء الشباب ببعض الجروح التي تمت خلال هذه الاعتداءات الممنهجة على استقلال السلطة القضائية في تلك المرحلة… الصورة الحالية نتاج لأسباب تشكلت خلال المرحلة الماضية». وأكد أن الأمر يحتاج إلى «معالجة سياسية لهذه الشروخ والجروح التي أحاطت بالإدراك شبه الجمعي للطبقة الوسطى الشابة التي تستخدم الواقع الافتراضي للتعبير عن غضبها… إذا لم يكن النظام على درجة من الفطنة بما يسمح باحتواء النتائج السلبية لبراءة مبارك ومعرفة من المسؤول عن اغتيال وقتل العديد من أبناء المصريين، فبعض من القطاعات الشبابية قد يتأثر بمحاولات رأب الصدع بين الإخوان والقوى الشبابية. هناك حاجة كبيرة إلى درجة من الخيال السياسي والشجاعة في محاولات إعادة النظر في مرحلة حكم مبارك من خلال تقرير سياسي تعده لجنة سياسية لبيان مدى الانهيار الذي حدث في بنية الدولة والفساد الهيكلي خلال تلك العقود». ودعا نظام الحكم إلى «بناء جسور مع الشباب، واتخاذ مواقف تفارق بينه وبين نظام مبارك».