انهارت سوق الأسهم السعودية على قرع طبول حرب أسعار النفط، وخسرت أكثر من 2600 نقطة من أعلى قمة سجلتها هذا العام، وقبلت بالعودة إلى مستويات العام 2009، فاقدة ثقة المستثمرين الهشة، التي كانت سبباً في بعثها من الموت السريري. تحولت السوق السعودية منذ انهيار 2006 إلى محرقة تلتهم أموال المواطنين ومدخراتهم. لم يُحدث تغيير إدارة السوق المالية أثراً في ضبط حركتها، وتجنيبها الانهيارات الحادة، ولم يسهم في إلباسها ثوب الحشمة والوقار، بل استمرت في غيها، وخلع رداء الحشمة النقطي، كلما ألبسوها عنوة، أو أرشدوها جادة الصواب. سوق فاقدة للهوية، والمرجعية، تتلاعب بمريديها أنَّى شاءت. تتزين لهم بالخضرة، وتغويهم، وتدعوهم لمطارحتها الغرام، فإن فعلوا قلبت لهم ظهر المجن، وأحرقتهم بنارها الحمراء. أدمن الناس عشقها، وأدمنت الجفوة، والنكران، واستنزاف مدخراتهم، وكأنها تلاعبهم النرد في صالات القمار. ما الذي يحدث في سوق الأسهم السعودية؟ لا أحد يملك الإجابة الشافية، ولا أحد يريد أن يتفضل بإطلاع المواطنين على متلازمة الوهن التي ضربت سوق المال، فأخرجتها عن انضباطية الحركة، والاستقرار. سوق من ورق، يعبث بها الكبار، ويتضرر منها الصغار، وفق إطار نظامي يسمح بنقل المدخرات وفق آلية الربح والخسارة المُخطط له سلفاً؛ فيزداد الأغنياء غنى، ويزداد الفقراء فقراً، بمباركة الرقيب. لم تعد السوق مرتبطة بالمتغيرات الاقتصادية، بقدر ارتباطها برؤية كبار المضاربين الذين يحددون وجهتها ابتداء، ثم ينتظرون البيانات الاقتصادية والبيانات المؤثرة لتحريكها، وإحداث ردة فعل عنيفة؛ فتصبح حركتها غير متوافقة مع النسق العام، أو ربما توافقت جزئياً، ثم شطحت بعيداً في ردة الفعل المصطنعة. «هوامير» السوق ليسوا مسكونين بفن التعاملات المالية المفضية لتحقيق الربحية وفق التداول العادل، بل هم أكثر ارتباطاً بالاحتكار والسيطرة اللذين يمكّناهم من انتزاع الأموال لا كسبها. ما الذي يحدث في سوق المال؟ إنها الفوضى المدمرة ولا شك. سوق يتيمة فاقدة المرجعية، تتنازعها وزارات ومؤسسات حكومية متداخلة. في خبر لافت، توقعت جريدة الوطن السعودية عزل وزارة التجارة مجلس إدارة موبايلي بعد فضيحة تدليس القوائم المالية. وعلى الرغم من أن الشركات السعودية تقع تحت مظلة الوزارة إلا أن هيئة السوق المالية تعتقد أنها المظلة الوحيدة للشركات المساهمة. تداخل الصلاحيات والمرجعية يمكن ملاحظته في قطاعي المصارف والتأمين اللذين تتنازع مؤسسة النقد وهيئة السوق المالية ووزارة التجارة مسؤولية الإشراف على شركاتهما. عندما تغيب الأنظمة الشاملة، والمرجعيات الرسمية، وتتداخل الصلاحيات، تحدث المشكلات. هل يمكن القبول ببقاء «نظام الشركات» في مرحلة الدراسة لأكثر من عشرين عاماً؟ وهل يمكن القبول بتطوير عمل الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة بالشركات وسوق المال، بشكل انعزالي، بدلاً من أن يكون التطوير الشامل والتكاملي قاعدة العمل الحكومي؟ ما يحدث في سوق المال هو انعكاس حقيقي للبيئة الحكومية والاقتصادية الحاضنة؛ فضعف الإدارة الاقتصادية والمالية يقود دائماً إلى ضعف الأسواق المالية. نحن نعاني من مشكلات هيكلية في السوق، الاقتصاد والإدارة التنفيذية بشكل عام. كما أننا نعاني من انفصام تام بين الحكومة والسوق المالية؛ ما يجعلها عرضة للصدمات العنيفة، والخسائر الفادحة، والفوضى الخانقة. ما الذي يدفع وزراء النفط، المالية، الاقتصاد ومحافظ ساما لطمأنة العالم في الأزمات النفطية والمالية، وتقديم المساهمات لعلاج الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي يحجمون فيه عن مخاطبة الداخل، وتقمص الدور عينه لمعالجة مشكلاتنا، وطمأنة السوق، وحماية مدخرات المواطنين من عبث العابثين. مَنْ المسؤول عن حماية سوق المال؟ ومَن المسؤول عن حماية مدخرات المواطنين؟ ومَن المسؤول عن فتح حوار اقتصادي مالي مع الأسواق المحلية ورجال المال والأعمال والمستثمرين؟ الأقربون أولى بالمعروف، ودعم السوق المالية المحلية أولى من دعم الاقتصاد العالمي، كما أن اتخاذ استراتيجيات جديدة ومؤثرة في أسواق النفط يجب أن يقترن ببرامج حماية وتوعية للأسواق المحلية، وبما يضمن الاستقرار المالي والاقتصادي والحماية التامة لسوق الأسهم السعودية، التي اكتسبت اسماً جديداً لدى العامة، هو: «سوق الفلس».