أعتقد أن هذا المؤتمر الذي يشرف برعاية كريمة من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك بن عبد العزيز وينظّمه معهد الإدارة العامة هذه الأيام من أهم المؤتمرات وأكثرها إلحاحاً وأعظمها فائدة وذلك للأثر المباشر المتوقّع على مسارنا التنموي الحالي والمستقبلي إن أُحسن توظيفه وانتقلت توصياته من الورق إلى أرض الواقع، إذ إن من أبرز معوقات التنمية في المملكة العربية السعودية «المعوق الإداري» سواء ما تعلق منه: • بالأنظمة والتشريعات الإدارية التي مضى على سَنِّها سنوات طويلة، وربما سكّها جيل مضى وقد يكون غالبيتهم من جنسية عربية استقت ما أمضته من قوانين بلادها التي لا تتلاءم وطبيعة التنمية في قطاعنا الحكومي. • أو ضعف التأهيل والتكوين والإعداد للقيادات الإدارية في القطاع الحكومي وتدني المهارات لدي شريحة عريضة منهم. • إضافة إلى التسرّب الذي يعاني منه هذا القطاع لتدني الرواتب وعدم وجود الحوافز والمغريات، مقارنة بما هو موجود في القطاع الخاص المنافس على الساحة الوطنية. • وقد يكون هناك عزوف عند المؤهلين لتسنم المناصب القيادية لذات السبب وعدم التفريق بين من يقوم بهذا العمل والموظف العادي الذي يشغل ذات المرتبة، وربما يحصل على الترقية قبل هذا القائد الذي نذر نفسه وبذل جهده وأفنى عمره في العمل القيادي. • ليس هذا فحسب، بل إن هذه القيادات على ما فيها من ضعف تواجه سيلاً من التحديات الحقيقية سواء الفردية أو المجتمعية أو حتى العالمية. إن فتح هذا الملف ومحاولة التشخيص للواقع الإداري في القطاع الحكومي - على يد باحثين أكاديميين متخصصين عارفين لتفاصيل المشهد الإداري السعودي. - وفي مؤسسة أكاديمية تدريبية ذات تاريخ متميز في هذا الباب. - وفي هذا الوقت بالذات. هذا الشيء في حد ذاته يعد في نظري إنجازاً متقدماً يبرهن على أن لدى المنظرين والدارسين وراسمي السياسات العليا قناعة تامة بأن هناك مشكلة حقيقية تحتاج إلى علاج حاسم وسريع على يد خبراء مختصين، وفي مؤتمر وطني عام يجعل الانطلاقة على أساس علمي صحيح. فالمشاكل الإدارية في القطاع الحكومي كثيرة ومتشعبة وهي في ازدياد وتأزم وليس في الأفق ما يبعث على التفاؤل بفجر صادق قريب، فعلى سبيل المثال لا الحصر: - القيادات الوسطى في المناطق من أسوأ الوظائف في ظل البيرقراطية الإدارية التي ما زالت جاثمة على هياكلنا التنظيمية، فلماذا لا تمنح الصلاحيات المطلقة لهؤلاء القادة حتى تتحقق الفاعلية التنموية الإيجابية المطلوبة؟ - المميزات والخصائص المادية والمعنوية التي تمنح للقيادات الإدارية تحتاج إلى مدارسة وبحث ومن ثم الخروج بتوصية تاريخية تعد حداً فاصلاً بين عهدين في القطاع الحكومي. - تأسيس قاعدة بيانات متكاملة عن القيادات الإدارية في القطاع الحكومي أمر ملح في هذا الوقت بالذات. - تعزيز التدريب المخصص للقيادات الإدارية وضخ الأموال فيه قد يكون من المحفزات لتطور هذا القطاع بشكل مدروس. - الاستفادة من القيادات الإدارية التي أحيلت للتقاعد بقوة النظام، طاقات وطنية مهدرة فهل سيلتفت لها ويستفاد منها بالشكل الأمثل وحسب التخصص؟ شكراً للقائمين على هذا المؤتمر إشرافاً وتنظيماً ومتابعة، والمشاركين فيه، سواء أكانوا متحدثين رئيسين، أم باحثين تقدّموا بأوراق عمل في محاور المؤتمر المختلفة، أم أنهم انتظموا مع مماثليهم في حلقات النقاش المنعقدة على هامش هذا المؤتمر في أيامه الثلاثة. شكراً للرعاة والداعمين من القطاع الخاص. شكراً لقيادة الوطن على رعايتها وتشجيعها ودعمها لمثل هذه الملتقيات العلمية المهمة دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.