مفهوم الاحتراف ليس إلا مظهراً من مظاهر العصر الصناعي الحديث، فيه يتحول اللاعب الرياضي إلى (وحدة اقتصادية) راضخة لمبدأ العرض والطلب، ومن خلاله يدخل اللاعب عالم السوق ومفاهيمه المتجردة من أي عاطفة، وما دخول رجال الأعمال إلى عالم كرة القدم سوى رغبة جامحة منهم لتحويل كرة القدم إلى وسيلة لعرض السلع عن طريق وسائل الدعاية والإعلان. أي الاحتراف ليس إلا تحويل كرة القدم والمجتمع الرياضي إلى أداة لتعظيم الإنتاجية المادية وزيادة معدلات الاستهلاك، وفيها يتحول اللاعب والمشجع إلى ظاهرة يطلق عليها (الإنسان ذو البعد الواحد)، وهي ليست إلا ظاهرة رأسمالية، وقد ترددت كثيراً في كتابات المفكر الأميركي هاربارت ماركوز. ففي مباراة كرة قدم بين ريال مدريد وبرشلونه ستلاحظ التدخل السافر والصريح لرجال المال والاستثمار في لعبة ذات أهداف بسيطة، وهي تسلية الشعوب وبث روح الحماس في وجدانهم، مباراة تدوم لمدة 90 دقيقة من خلالها تتعرف على المئات من الشركات الصناعية التي استغلت فضاء كرة القدم لعرض منتجاتها، ولاعب كرة القدم قد تحول هو الآخر إلى مجرد لوحة إعلان ودعاية تلصق عليه من الرأس حتى أخمص القدم الأسماء التجارية للشركات ذات الطابع التوسعي الشامل. فقد اللاعب في عصر الاحتراف جزءا من إنسانيته ورضخ إلى أكثر الإجراءات الحسابية الصارمة التي تحصي عليه خطواته ومنذ الطفولة حتى يستفاد من تواجده على أرض الملعب بشكل اقتصادي بحت ويتحول إلى وسيلة يسيطر عليها صاحب رأس المال ويطبق عليها أقسى مفاهيم السوق حيث اللغة السائدة هي لغة (الربح والخسارة). خضع اللاعب في أوروبا لكل مبادئ الاحتراف الصريح، حيث اللاعب والنادي والإنجاز هم أدوات التسويق، والمشجع هو أداة الاستهلاك، والصلة الرابطة بينهم هي وسائل الدعاية والاتصال الجماهيري التي منحتها التقنية الحديثة، وفرضتها العولمة الحاصلة بين شعوب العالم. أصبح لدى النادي اكتفاء مادي من خلال ما يجنيه من أرباح وما يصنعه على أرض الواقع من استثمارات وما يجريه من صفقات وعقود مستقبلية، وليس على رئيس النادي سوى إدارة هذه الاستثمارات بعقل أداتي يطبق مبدأ (الربح والخسارة) بشكل صارم على كل الأموال الداخلة والخارجة، وليس المطلوب من أعضاء مجلس الإدارة أن يتحولوا لمتبرعين تحت الطلب ينفقون على النادي من باب الإحسان والشفقة حتى لا يموت النادي فقراً كما هو حاصل في رياضتنا المحلية. الاحتراف الموشوم لدينا هو نتيجة تراكمية لانحدار مستوى المنتخب السعودي، حيث النادي هو المستهلك وليس المنتج، وشراء وبيع اللاعبين في الأندية السعودية لا يخضع لقواعد السوق (الاحتراف)، أي أن عملية الشراء والبيع ليست عملية استثمارية بقدر ما هي عملية استهلاكية تبدد الأموال وتراكم الديون، والهدف منها سد ثغرة في التشكيلة، وأحياناً يباع اللاعب لتسديد التزامات مالية متراكمة، كرتنا المحلية لا تزال حائرة ما بين عصر الهواة وبين احتراف موشوم لا يطبق أي معايير احترافية حديثة.