كل مقومات، ليس الحياة فحسب، بل مقومات النجاح متوفرة في البلدان العربية، بل وفي جميع بلدان العالم على اختلاف درجات هذه المقومات من بلد إلى آخر، والسبب الرئيس في اختلاف هذه المقومات بين الجميع هو العقل والإرادة والهمة والطموح، وما قلة الإمكانات إلا سبباً للحد من العقول النيّرة التي تتحرك حتى وهي نائمة لتسابق الزمن للنهوض، ليس لها وحدها بل لتنهض بالوطن والأمة جمعاً، فاليابان ليست بلداً بترولياً وبعد حربها مع الولايات المتحدة الأمريكية غدت خالية على عروشها وكان عاليها سافلها، ولكن في غضون ثلاثين سنة أصبحت بلداً مهيباً في صناعته وحضارته، ولا يكاد بلد غني أو فقير إلا وفيه من صناعتها الكثير والكثير، بينما بعض البلدان التي لم تدخل أي حرب لمئات السنين لم تتحرك قدر أنملة، وهذا هو الفارق الوحيد بينهم (العقل)، توفر الدول جميع متطلبات شعوبها التعليمية والصحية والصناعية والإدارية وغيرها من متطلبات ومقومات أي دولة من العالم، وتنشئ لهم بنية تحتية لا يُستهان بها، وتأتي بأحدث الأجهزة والوسائل التي يستخدمها اليابانيون في بلادهم، فالأجهزة هي نفس الأجهزة والمباني التي في اليابان ربما مبانينا تفوقها قوة وصلابة، بحكم أن اليابانيين يعملون في بعض مبانيهم في كراجات وغير ذلك، ولكن الفرق الوحيد بين الجميع هو العقل الذي يعرف كيف يدير هذه الحضارة بلا تلاعب بالنظام أو إيقاف دينموات الإدارة أو عدم الاهتمام بالمتميزين، ولا يتدخل أيضاً في إيقاف المشاريع التي ستغير من وجه الحضارة في البلاد، والنموذج الإماراتي قفز قفزة هائلة في كل هذا، إلا أن العقل العربي هو مستهلك في المقام الأول، فمتى يكون صانعاً كما كان يقول الملك فهد - رحمه الله - عندما قال: (أتمنى أن أرى منتجاً مكتوب عليه صُنع في السعودية)، هذه الحضارة أجزم أنها خالدة في أذهان القادة السعوديين، هناك من أبناء هذا الوطن المعطاء مخترعون، أقول ربما لو تم تصنيع أحد هذه الاختراعات لسابقنا اليابان وغيرها في المجال الصناعي، ولهذا يرحل الأبناء ليُكرموا من الدول الأُخرى التي لا يهمها من هو المخترع بقدر ما يهمها البلد الصانع. ولكي لا نجلد أنفسنا أكثر مما ينبغي لنرى النموذج الشرق آسيوي لديهم مثل ما لدينا ولكنهم يتخلفون عنا بكثير بلا شك في كل مناشط الحياة، وهذا أيضاً بسبب العقل المدير لهذه المناشط، فكلما كان الإنسان يفكر بوطنه وكيف ينهض به ويعمل من أجله حتماًلن يقف في طريق مجده إلا الموت، فهل ستتغير عقول بعضنا للتفكر والتدبر وحسن العمل والإدارة، كما هو موجود في دينهم الذي هو الحياة والحضارة بالإنسان قبل أن يكون بالبنيان.