يقول الملك عبدالعزيز- رحمه الله- في إحدى خطبه في مكة المكرمة غرة ذي الحجة 1347هـ (نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة, ولم يأتِ محمد بن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم, وما كان عليه السلف الصالح. هذه هي عقيدتنا وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل, خالصة من كل شائبة منزهة من كل بدعة). هذا إذاً هو المنطلق وهو الأساس الذي بنيت عليه هذه البلاد. إنه الدين الذي لم يأتِ إلا هداية ورحمة للعالمين. لم يعبر دين من الأديان أو مذهب من المذاهب الفكرية عن روح التسامح والأخوة الانسانية كما عبر عنها الإسلام, فالحج على سبيل المثال هو أكبر تجمع سلمي وسطي في العالم. إنه الإسلام الذي لم يكن في يوم من الأيام داعية إلى الترويع والتدمير الذي عرفه العالم بأشكال شتى. « والملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه- استهدف لم الشمل وجمع الشتات والقضاء على الفتنة والفوضى حتى كلل الله مساعيه بالنجاح والتوفيق, فامتد ملكه عزيز الجانب وطيد الأركان من الخليج العربي إلى البحر الأحمر ليقيم دولة الإيمان والعمل لا يعتمد على غير الله ثم على مصحفه وسيفه وعزمه الذي لا يلين وإرادته الفولاذية التي لا تتخاذل، فكان أن ظهرت إلى الوجود المملكة العربية السعودية.. مالئة الدنيا وشاغلة الناس.. كتجربة فريدة لدولة تبني حضارة متطورة في أقسى الظروف, وحكم يقيم شريعة الله أساساً لكل ما يعمل وينجز» كتاب المصحف والسيف. محيي الدين القابسي الطبعة الثالثة حقاً إنها كذلك، بلد حيّرت بوحدتها الفريدة الألباب، وأبهرت المنصفين شرقاً وغرباً بما وصلت إليه من تطور سريع في زمن قياسي. وأربكت حاسديها وشانئيها بثباتها على منهجها القويم، فما برحوا يكيدون المكائد وينصبون الشراك لعل وعسى أن ينالوا من أمنها واستقرارها فباؤوا بالخسران. بلاد أنعم الله عليها بأن جعلها قبلة للمسلمين الموحدين ينتصبون متوجهين صوبها خمس مرات في اليوم والليلة, وتتهلل أساريرهم وتنهمر دموعهم تعبيراً عن فيض مشاعرهم فور رؤيتهم كعبتها المشرفة, خضوعاً وإجلالاً لربهم وربها جل شأنه وعظم سلطانه وتقدست أسماؤه. وحينما توفى الله سبحانه المؤسس العظيم تجلت الوحدة الوطنية في التفاف الشعب السعودي حول قيادته ووفائه لهم أحياءَ وأمواتاً، وصدق على القيادة السعودية قول السموأل: إذا مات منا سيدٌ قام سيدٌ قؤولٌ لما قال الكرام فعول ُ أخذ أبناء الملك عبدالعزيز البررة على عاتقهم المضي قدماً على نهج والدهم رحمه الله، فأصبحت المملكة تقطع أشواطاً كبيرة في التنمية والتطور حتى أصبحت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إحدى أكبر اقتصاديات العالم ، وتشارك بفاعلية في وضع الخطط والاستراتيجيات لاستقرار اقتصاد العالم ونموه. لكن كما أسلفنا لم يرُق لذوي النزعات البغيضة والأحقاد الكامنة في النفوس المريضة ما يجري من أمن و نماء ورخاء واستقرار فظهرت مؤخراً فئام من الناس أشد فتكاً وخطراً من سابقيهم ، يحاربون الإسلام والمسلمين باسم الإسلام !! وهذه - والله - بلية يالها من بلية, ورزية من أعظم الرزايا !! ولأن الإسلام هو المؤثر الأكبر في المجتمعات الإسلامية فقد اختطف الإرهابيون عباءة الدين وتدثروا بها، ليمنحوا أنفسهم شرعية ما كانوا يحلمون به. والواجب عدم الاغترار بظاهر حال الخوارج الجدد فإنهم يخدعون الناس بهيئاتهم وعباداتهم، وقد أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- عن صفاتهم, وحذر منهم أشد الحذر، بل أمر بقتلهم وبشّر من قتلهم أو قتلوه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ( يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ،يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة) رواه البخاري. يقول الحق تبارك وتعالى (..إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد 11 من هذا المنهج الرباني الواضح استمد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله بصدق وعزيمة مسئوليته التاريخية في إيضاح ما تحتاجه الأمة في مواجهة واقعها الأليم وما يجب أن تكون عليه من التضامن والوئام واللُحمة، فعسى أن يكون فيما حدث ويحدث من ابتلاءات دروس للأمة تستلهم منها العبر والعظات. يقول- حفظه الله- في ملتقى حوار الأديان والثقافات في مدريد:(ليكن حوارنا مناصرة للإيمان في وجه الإلحاد، والعدالة في مواجهة الظلم ،والسلام في مواجهة الحروب). أين الآذان الصاغية والقلوب الرحيمة التي طالما رددت شعارات جوفاء تدندن - دعائياً- حول حقوق الانسان ؟ ماذا لو علمت تلك الآذان الصماء والقلوب منزوعة الرحمة ( أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاَ ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) 32المائدة. ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار 42 إبراهيم . أم أن: قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر إن هذه الحقوق التي لم يهتد إليها - أو بعضها - الإعلان العالمي لحقوق الانسان إلا سنة 1948م ، عرفها الاسلام قبل أربعة عشر قرناً من ذلك التاريخ ، وهي شاملة لبني آدم جميعاً وليست خاصة بجنس او عرق أو لون أو لفئة أو بلد, وإنما هي للناس كافة ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات 13 استغل الأعداء ما يجري في عالمنا الاسلامي من تناقضات وسلبيات أحدثها الجهال وحدثاء الأسنان فصاروا يكملون تشويه الصورة بأيديهم وأيدي أعوانهم دون هوادة، فها هي مصطلحات مثل مكافحة الإرهاب, والطائفية المقيتة, وحقوق الإنسان تستخدم قسراً وفي غير مواضعها عنوة هكذا لقلب الباطل حقاً والحق باطلاً !! يقول أ.د. جعفر شيخ إدريس في كتابه (الإسلام لعصرنا): ( إن أكثر ما يحرص عليه أعداء الإسلام في الغرب هو أن يصوروا المسلمين على أنهم وحوش إرهابية لا غاية لها إلا تحطيم الحضارة الغربية، وقد استغلوا وسائل الإعلام لإبراز هذه الصورة للمسلمين ونجحوا في ذلك إلى حد ما. ولا يفرح هؤلاء بشيء فرحتهم بتصريحات يطلقها إنسان أهوج يدعو فيها إلى العنف أو القتال في تلك البلاد, لأنها تصدق دعواهم تلك وتساعد على تنفير الناس من الدعاة المسلمين، لأنهم يعلمون أن الذي يرى فيك خطراً على نفسه وأهله لن يستمع إليك ولن يثق فيما تقول)، ولأن المملكة تتبوأ مكانة سامية بين بلاد العالم أجمع خصها الله بخصائص لا تتوافر في غيرها منّةَ منه وكرماً فقد لعبت دوراً كبيراً في إبراز صورة الدين النقي وحرصت على أن تقدم للعالم أجمل ما فيه من حب وتسامح وإيثار وسلام , ورفض للكراهية والعنف. فعلت ذلك من خلال دعوتها المستمرة لمواجهة الإرهاب, والعنف, والتطرف, والكراهية حتى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية، وأيقظت العالم على فداحة الخطر الإرهابي دون أن ينتبه العالم للخطر الذي كانت المملكة تعاني وتحذر منه. وقامت في ذات الوقت بالتصدي لأرباب الفكر الضال ومحاولاتهم الإرهابية بسياسة الضربات الاستباقية التي نفذها رجال الأمن لوأد المخططات الإرهابية في مهدها. كما دعا الملك عبدالله- حفظه الله- عام 1425هـ للمؤتمر العالمي لمكافحة الإرهاب الذي أقيم في مدينة الرياض بعنوان ( موقف الإسلام من الإرهاب) ونظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. في كلمة الملك عبدالله- حفظه الله- التي وجهها إلى شعب المملكة يقول:كم أنا فخوربكم .. والمفردات والمعاني تعجز عن وصفكم.. أقول ذلك ليشهد التاريخ.. وتكتب الأقلام.. وتحفظ الذاكرة الوطنية بأنكم بعد الله صمّام الأمان لوحدة هذا الوطن وأنكم صفعتم الباطل بالحق, والخيانة بالولاء وصلابة إرادتكم المؤمنة. أيها الشعب الكريم : اسمحوا لي أن أخاطب العلماء في هيئة كبار العلماء أو خارجها الذين وقفوا ديانة لله عز وجل وجعلوا كلمة الله هي العليا في مواجهة صوت الفرقة ودعاة الفتنة.. ولا أنسى مفكري الأمة وكتّابها الذين كانوا سهاماَ في نحور أعداء الدين والوطن والأمة وبكل اعتزاز أقول للجميع ولكل مواطن ومواطنة إن أي أمة ترفع كلمة الحق لا خوف عليها وأنتم في قلبها الأمناء على الدين وأمن واستقرار هذا الوطن. في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا التي كثر فيها الهرج والمرج يتحتم على شباب أمتنا هداهم الله إلى سبيل الرشاد أن ينتبهوا لمخططات أعداء أمتهم، والأخطار والمزالق التي يحاول المغرضون ومن غلبت عليهم حماقاتهم أن يوقعوا مجتمعاتهم الآمنة فيها.أما آن لهم أن يتعلموا ويستوعبوا الدروس والعبر التي ما برحت أحداث متلاحقة وفتن تنذر بالشرور وعظائم الأمور حاقت وتحيق بمن اختلفت كلمتهم وتشتت شمل صفهم وغلبت أهواؤهم فيها مصالح بلدانهم المحققة قطعاً بالانصياع لرأي أولي العلم والبصيرة والحكمة فيهم.. العلماء .. ورثة الأنبياء.. الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43) سورة النحل َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ (59) سورة النساء. أولئك الصادقون المخلصون الذين يبتغون مرضات الله والدار الآخرة, ما حازوا تلك المنزلة العظيمة إلا باتباعهم هذا المنهاج الرباني الذي قوامه كتاب الله وسنه رسوله- صلى الله عليه وسلم- ، وهو المنبع والورد الصافي الذي منه ينهلون وإليه يحتكمون: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) سورة المائدة. وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) سورة المائدة. إوَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) سورة المائدة. وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) سورة المائدة. أما آن لأولئك البسطاء والمغرر بهم ممن استدرجوا إلى مستنقع الإعلام المضلل والعفن والتطرف المقيت أن يستيقظوا من رقادهم الطويل واستسلامهم الذليل لكل ناعق يطعن في المسلمات ويروّج الشائعات ؟! ألم تنكشف بعد الدوافع وتتضح المطامع ؟! أم أن أصوات الثكالى والأيامى غيبها هدير المدافع ، فما من سامع ؟! و(الحق أبلج والباطل لجلج) فلينأوا ببلدانهم وأنفسهم وأهليهم عن ترهات المغرضين قبل حلول الفواجع. الواجب على شبابنا أن يعوا بأنهم مستهدفون من أعدائهم، فيكونوا أهلاً لتحمل المسؤولية. تلكم العداوات بدت مؤخراً أكثر وضوحاً بوجهها الكالح حين سقطت الأقنعة عن وجوه بعض من تلبّسوا بلباس الدين ومسوح الأتقياء المصلحين للوصول إلى مآربهم الدنيئة، فانطلت ألاعيبهم على بعض السذج فانساقوا خلفهم مرددين شعاراتهم المزيفة لتحقيق نواياهم الشريرة. أراد أولئك الخبثاء أن يجعلوا من هؤلاء الفتية الأغرار وقوداً وحطباً لنار فتنتهم التي تحرق الأخضر واليابس دفاعاً عن الدين - زعموا- والدين منهم براء. ليتهم ولو لبرهة من الزمن استحضروا حديث السفينة، لكن أنّى ذلك لمن أسلموا أنفسهم وعقولهم طواعية لمن لا يريد بمجتمعاتهم الآمنة إلا الدمار والخراب. «(مثل القائم في حدود الله والواقع فيها،كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها ، فالذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ مَنْ فوقنا ؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاَ )» رواه البخاري. أما آن لمن هو على المنهج السليم القويم ويؤمن أن رسالةَ إبلاغ هذا الدين مطالب بها كل أحد، (بلغوا عني ولو آية).. أما آن له ولها ولنا جميعاً أن نستشعر عظم هذه الأمانة وأننا مسؤولون وموقوفون أمام الله (وقفوهم إنهم مسؤولون) الصافات 24 خاصة ونحن نرى أرباب الباطل وهم يبذلون من أموالهم وأوقاتهم الشيء الكثير للمنافحة في سبيل نشر باطلهم. إن استمرارنا على هذه المحدودية - دوليا- في إيصال حقيقة قضايانا المصيرية العامة للناس عبر الوسائل المتاحة أتاح لأعدائنا التمادي في تشويه صورة الإسلام الناصعة، واستغلال ذلك في التعاطف مع قضاياهم الجائرة ومصالحهم المزعومة, والحل يكمن بإذن الله تعالى في العمل تدريجياً على تغيير هذه الصورة النمطية في أذهان أولئك، وذلك بالعمل حكومات ومؤسسات وأفراداً، واستثمار كل ما يمكن من وسائل مشروعة لتحقيق هذه الأهداف النبيلة. إلى متى نقف موقف المتفرجين المذهولين, ونعم الله علينا تترى أمنا وأماناَ ورغد عيش؟ ألم يئن الأوان أن نغارعلى ديننا رأس مالنا الحقيقي, ومصدر فخارنا وعزتنا الذي (مهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله)،إن بذلا في هذا المضمار أحسبه من أوجب الأولويات خاصة للموسرين والأغنياء من أمتنا الخيرة فهم والله أولى بالبذل والتضحية بالغالي والنفيس من فئام تباهي شرقاً وغرباً بمجهوداتها وتبرعاتها على باطلها ,وهي في سبيل الشيطان ونشر البهتان {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} (36) سورة الأنفال. إن كان ما يقوم به هؤلاء وأولئك هومن قبيل الصّد والاستغلال فحري بأهل الخير أن يتسابقوا ويتنافسوا في الفضاء الرحب فأنعم به وأكرم من دعوة وخير واستثمار دنيا وآخرة.