قبل خروجي من المنزل للعمل أحرص على سماع برنامج اسمه "قراءة ممتعة" فكرة البرنامج جميلة حيث يستضيف شخصيتين أو ثلاثا ذوي خلفيات علمية وثقافية مختلفة يختار كل منهم كتاباً، يقرؤونه قبل البرنامج ثم يتحدثون عنه ويناقشونه مع مذيعة البرنامج. كل منهم يعطي سبباً لاختياره الكتاب، ثم يتحدث عنه، يختلف هذا البرنامج عن فكرة "نادي الكتاب" أو "مجموعة القراءة" التي مررتم بها وتعرفونها في وجود اللمسات الشخصية في الحوار وفي تنوع الكتب حيث تناقش الحلقة كتابين أو ثلاثة حسب عدد الشخصيات المستضاقة. فالضيوف يتحدثون بعيداً عن نمطية الحوار النقدي أو الثقافي المعتاد، وكل منهم يعكس تجربته الشخصية ووقع الكتاب عليه. كثير منهم يتحدث عن كتب قد تكون قرأتها أو مرت عليك لكن لم تجد فيها ما وجدوه، لذلك تكون وجهة نظرهم ونقاشهم مثرية وربما تدفعك للعودة لقراءة الكتاب. في إحدى الحلقات تحدث أحد الضيوف عن كتاب قرأه في العشرينات من عمره ثم أعاد قراءته وهو في الخمسين من العمر لأنه اختاره للبرنامج، كان في حديثه إعادة اكتشاف لنفسه خاصة وهو يردد لا أعرف لماذا في تلك الفترة شعرت بالنفور من الشخصيات بينما أجد نفسي قريباً منها الآن. جملته هذه جعلتني أتساءل عن سبب تغير نظرته للكتاب؛ هل هي التجربة الحياتية؟ هل هي القدرة الاستيعابية؟ هل هي طريقة القراءة؟ ربما كان في زمن سابق يقرأ ليتسلى بينما الآن هو يقرأ ليتأمل! فقراءتي في مراهقتي وفي شبابي كانت للتسلية أما الآن ومع مشاغل العمل والحياة أصبحت القراءة ضرورة في جدولي حتى لا أتناساها بدعوى الانشغال أو التلهي. وأنا مررت بتجربته هذه، ففي كل مرة أعيد قراءة كتاب يكون وقعه علي مختلفاً ولا أعرف الأسباب. مايلفت نظري في هذه النقاشات، هي الرؤية المختلفة للكتاب من قبل قارئية فكل منهم يتلقى الكتاب ويتواصل مع شخصيات الرواية بطريقة مختلفة خاصة به، وكل منهم يعطيك تصوراً يختلف قليلا عن الآخر أو جزءاً من الصورة. مما يذكرك بأن الصورة الكاملة ليست أحادية الأبعاد. خمس وعشرون دقيقة هي مدة البرنامج، وهي مدة قصيرة، لكنها تثري عقلي.. جميلة هي الحوارات العفوية، وجميل أن تبحر في عقول الآخرين وتتعلم وتستفيد.