أحمد الحناكي لا بد من أن كثيراً من أعضاء التواصل الاجتماعي (تويتر)، لفت نظرهم الكثير من التغريدات، التي تحث على الطائفية أو العنصرية أو القبلية أو التحريض أو الطبقية أو الكراهية، أو مئات المشاعر السلبية. ولربما عُرِف بعض مروجي أو صانعي هذه التغريدات، العاملين في الوسط الإعلامي، مذيعاً أو صحافياً أو كاتباً صحافياً. الاستهلال أعلاه يحدث كل يوم، والإعلاميون السعوديون نساءً أو رجالاً يشاركون بهذه التغريدات، من دون حسيب أو رقيب، ولست بصدد الحجر على الآراء، فأنا أحد هؤلاء، ومن المؤكد أنني غردت بما قد يفسر سلبياً، والمسألة نسبية على أي حال، إلا أنني في الوقت نفسه أحرص على ألا أتجاوز خطوطاً معروفة. وإذا كانت الجهات الرسمية قد أصدرت قوانين للحد من التجاوزات اللفظية والقانونية والمهنية فيما يحدث في ذلك العالم المفتوح، فإن هناك من التغريدات التي لا تحتمل محكمة أو تصرفاً قاسياً، إلا أنها تظل هوة يجب ردمها، سواءً بقانون إعلامي، أم من مركز التواصل الاجتماعي نفسه. قبل أسابيع تقريباً، غرَّدت إحدى الكاتبات بإحدى الصحف السعودية بالحديث في «تويتر» عن هويتها المذهبية معتزة بها، استجابة لتساؤلات طائفية منكرة أو مندهشة، غير أن زميلة لها تعمل في الصحيفة نفسها أجابت على تغريدتها بنَفَسٍ طائفي قبيح، يحمل الجهل من جهة، وعدم احترام الزميلة من جهة أخرى، فما كان من رئيس تحرير الصحيفة إلا أن أصدر قراراً بفصلها. الموضوع أثار ضجة في الوسط الإعلامي لسببين، أولهما: أن الانقسام حدث بين القراء؛ لأنهم أخذوها على محمل الطائفية، ورغبتهم في أن تنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، ومن ثم تعاطف بعضهم مع المفصولة، كونها تنتمي إليهم مذهبياً، أما السبب الثاني: فحصل في مجموعة تدين التغريدة من دون جدال، ولكن الاختلاف بداخلها هو في النظرة لقرار الفصل. فمنهم من أيد من دون تحفظ، ومنهم من ذكر أن الحكم كان قاسياً. كاتب هذه السطور، ومن خلال مجموعة «واتسآب» يجمعهم الهم الكتابي، تمت مناقشة الخبر، فانقسمنا أيضاً إلى تسعة أيدوا قرار الفصل، وأربعة لم يؤيدوه، ولكن أيدوا مبدأ العقاب نفسه. بطبيعة الحال، لا بد من أن هناك مرجعية عالمية للقياس في هذه الأمور. وهل هناك أكبر من أميركا؟ لا طبعاً، فهي الإمبراطور المتوج إعلامياً بالإجماع، صحافةً كان أم قنوات تلفزيونية أم إذاعات. وعند رجوعي للحالات التي تم فيها فصل صحافي أو مذيع أو كاتب في أميركا، اتضح أن ما فعله هؤلاء يعتبر أمراً أقل من عادي، ويمارس لدينا تسلية ورفاهية، بينما تغريدة الصحافية السعودية تصنف أخطر بكثير من تغريدات من تم فصلهم من الإعلاميين الأميركيين. قد يتساءل أحدكم: ما التغريدات التي ذكرها الإعلاميون هناك؟ سأورد لكم بعضها: في عام 2010 تم فصل محررة «سي إن إن» الشهيرة أوكتافيا نصر من القناة بسبب تغريدة لها علقت فيها على ما ورد أن حسين فضل الله أحد زعماء حزب الله قد مات، أوكتافيا غردت أنها تشعر بالحزن على وفاته، وهو ما أثار ضجة في الوسط الداعم للكيان المحتل في فلسطين. كان تبرير قرار الفصل -الذي اعتذرت قبله أوكتافيا عن تغريدتها- هو: أن نصر فقدت صدقيتها في الشرق الأوسط، وهو ما اعتبروه انحيازاً منها إلى طرف من أطراف الصراع، في وقت لا تريد فيه المحطة ذلك. المحرر الرياضي داميان قودارد، تم فصله من محطة في كندا، بسبب تغريدته التي تعارض الزواج المثلي، قائلين: (إن المحرر لم يعكس وجهة نظر المحطة). وعودة إلى تغريدة الصحافية السعودية المفصولة، وقرار رئيس التحرير الجريء والحازم، ومقارنة ما حدث بقضايا الغرب، يرجح أن القرار كان صائباً، إذ إن التغريدة لم تسئ إلى زميلتها فقط، بل حتى إلى أصحاب المذهب كلهم. هناك تساؤلات عن حرية التعبير في الحالات التي ذكرناها، وربما هنالك تداخل ما. لكن، من المؤكد أن مهنة الصحافي كمهنة المعلم والسياسي التنفيذي والقاضي ورجل الأمن، وربما غيرهم لا يقبل منهم ما قد يتم تجاوزه من آخرين؛ لأنهم مؤثرون في شرائح مهمة في المجتمع، وهو ما يحدث نوعاً من انتهاك فاضح لمشاعر فئة أخرى بالمجتمع.