تكرار التاريخ لا يلزم منه التطابق التام في شدة الحوادث وأطوال أزمانها وتفصيلات وقائعها. فتشابه السيناريو العام بين حادثتين تاريخيتين هو المقصود بعبارة التاريخ يعيد نفسه. والثورة الفرنسية ثورة دموية مريعة استمرت لأربع سنوات خلع فيها الملك وأطيح بالكنيسة والطبقة الاقطاعية في مجازر مهولة، ولكن انهيار الاقتصاد والأمن واتهديدات الخارجية والفوضى التي خلفتها الثورة ألجأت البلاد إلى إعادة الملكية، حيث استولى نابليون على السلطة وأعاد الديكتاتورية والأمن والنظام، ثم خلع بعد ذلك ثم تحولت البلاد تدريجياً بعد ذلك إلى الديمقراطية. وقد كانت فرنسا هي من دفع الثمن غالياً لتصبح الملهم والنموذج الذي أثر في أوروبا وتعلمت منه الشعوب الأوروبية. ومع إطاحة مرسي فيمكننا ان نقول بأن الثورة المصرية ما تزال قائمة ولم تنته بعد وهي الآن على مفترق طرق. فإما أن ينجح الإخوان في قسم الجيش وبالتالي تدخل البلاد في نزاع دموي مدمر أشبه بما يحدث في سوريا. وإما أن يتحكم الجيش بسياسة البلاد بصورة ديكتاتورية تضمن إعادة النظام والأمن وبالتالي التحول التدريجي إلى الديمقراطية وتكون مصر هي النموذج الملهم المعلم للدول العربية كما كانت فرنسا لأوروبا. وكوني علي سفر يجعلني بعيدا عن متابعة الأحداث، ولكن هذه الفتن تقرأ بنظامها التاريخي البشري العام فلا يستخف بها إلا أحمق. وقد رأيت في ليلة الإطاحة بمرسي، مصريين - في بلد أجنبي غربي - بالطبول والأهازيج في مسيرة راقصة يحتفلون بالحدث فغردت في تويتر حينها فقلت: مصريون بالطبول والرقص في مسيرة بلوس انجلوس. سواء أكنت مؤيداً أو معارضاً فحالة عدم الاستقرار لا يرقص لها خوفاً من الحاضر وترقباً حذراً للمستقبل. واليوم نشهد هذه الاعتصامات السلمية المؤيدة لمرسي في تزايد مستمر، وهكذا هي عادة بدايات الثورات والنزاعات الأهلية الدموية. فاللهم سلم مصر لأهلها ولنا وللعرب والمسلمين أجمعين. ولكن لماذا رفضت مصر حكم مرسي؟ كانت تدرسنا عجوز أمريكية اللغة الإنجليزية وذلك قبل حادث سبتمبر. وكانت العجوز لا تخفي كراهيتها للمسلمين وحبها لليهود رغم أنها نصرانية ملتزمة. فسألتها عن هذا، فنحن نبجل عيسى وأمه عليهما السلام ونؤمن به، بينما يزعم اليهود أنهم قتلوه وصلبوه وهم الذين كذبوه واتهموا الطاهرة مريم بالفاحشة ويعتقدون أنكم وغيركم من الأمم أقل قدراً ولا حظ لهم في الدنيا ولا في الآخرة، وهو دينهم الذي يدينون به إلى اليوم!! فأجابت العجوز، نعم، ولكنهم لا يدعوننا إلى دينهم ولا يتدخلون في شئون حياتنا ولا يفرضون بل ولا حتى يقترحون تطبيق نمط حياتهم واعتقاداتهم على مجتمعاتنا. أما أنتم أيها المسلمون فتريدون تغيير ديننا وتريدون فرض آرائكم واعتقاداتكم وآرائكم الحياتية علينا. ولهذا اختلفت السنة والشيعة وكرهت بعضها بعضا أشد من كراهيتهم لغيرهم من الأمم رغم أن هناك طوائف هي أبعد من الشيعة عن الإسلام. ورغم ان الشيعة أقرب للإسلام من النصارى واليهود - ومن يقول غير هذا فهو كالخوارج الذين يقتلون الصحابي ويخلون عن اليهودي? كرهت السنة والشيعة بعضها بعضا وتناحرت فيما بينها لأن كل طرف يريد فرض فلسفته واعتقاداته على الآخر. ولهذا رفضت مصر مرسي، وخاطرت بإجهاض تجربة الديمقراطية الجديدة الهشة واحتمالية والدخول في نفق الحرب الأهلية، لنفس السبب الذي رفض من أجله الإسلاميون في كل البلاد من قبل. رفض الإسلاميين ليس من أجل الدين ولا كرها به ولو حاول الإسلاميون ترويج هذه الدعوى. فالمتدين أغلب الناس تحبه على اختلاف أديانهم حتى الملحدون. فالنصارى تحب رهبانها والمجوس يحبون كهنتهم والمسلمون يحبون زهادهم وصالحيهم. والذي سبب العداوة والكراهية. للإسلاميين هو ديكتاتوريتهم المتأصلة في عروقهم والإجبارية والإكراه المرتكز عليه فلسفتهم الاجتماعية. انتخبت مصر مرسي معتقدة أنها ستكون كتركيا أو ماليزيا، ستأتي بإسلامي ليس له من إسلامه إلا دعوى الصدق والأمانة فإذا بها وجدت نفسها قد أتت بديكتاتور إسلامي متوقع وهو أصعب وأشد بأسا من غيره، فكل عيب سيجد له تأويلا بغطاء ديني. تكره الناسُ المتسلطين عليها بأي دعوى مزعومة. ولهذا انتفضت النصارى على دينها وملوكها وحكامها بسبب تسلطهم عليهم في دنياهم. ونحن كغيرنا من الأمم كل يزعم أن هذا من الدين وليس من دين الله في شيء وما هي إلا مصالح تتصارع على حظوظ من الدنيا. hamzaalsalem@gmail.com تويتر@hamzaalsalem