×
محافظة مكة المكرمة

شيخوخة مزمنة في الحديقة الأولى بالشرفية

صورة الخبر

العنصر الأهم الذي اتفق عليه مجموعة من كتاب الرأي، ورجال الإعلام، في اللقاء الذي عقدته اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات برئاسة - الأستاذ - عبدالإله الشريف - قبل أيام -، والذي لا يمكن إغفاله، هو أن المخدرات تعتبر من أكبر المشكلات التي تعاني منها دول العالم - بلا استثناء -، لما لها من أضرار على النواحي الأمنية، والاقتصادية، والصحية، والاجتماعية. فهي آفة العصر التي استشرت، وانتشرت، وفتكت بأبنائنا، وبناتنا، ومجتمعنا؛ حتى وصفها العلماء، بأنها: «أم المشاكل»؛ لما تحدثه من انعكاسات سلبية على الأسر، ورفقاء الفرد، وإنتاجية العمل، حيث أظهرت الأبحاث العلمية: أن الاستعمال الطويل، أو غير الطبي للمخدر، ينتج عنه تغيّرات حاسمة في وظائف المخ، والتي تدوم طويلاً؛ حتى بعد توقف الأفراد عن التعاطي، - إضافة - إلى تأثيراتها السلبية المتعددة على الصحة الجسدية، والنفسية لمتعاطيها. في تقديري، فإن الإشارة إلى التوجهات السياسية الخبيثة لتجارة المخدرات - ذات البعد السياسي -، أمر في غاية الأهمية، - خصوصا - وأن إيران تعتبر أكبر مشتر للمخدرات في أفغانستان، ومن ثم تعمل على إعادة تصديرها للدول الأخرى بإشراف الحرس الثوري، - إضافة - إلى إشراف ميلشيات حزب الله على مزارع المخدرات في البقاع. كما لم يعد خافيا لدى كل عاقل، أن العراق أصبح طريقا سهلا لمرور المخدرات، وترويجها بكل أصنافها، وأشكالها. فقد أعلنت اللجنة الوطنية العراقية لمكافحة المخدرات: «أن إيران، هي المصدر الرئيس لتصدير السموم البيضاء إلى العراق، والأردن، وسوريا، وإلى دول الخليج العربي»، كل ذلك؛ من أجل جعل تلك الدول سوقا استهلاكيا للمخدرات، نتيجة ضعف السيطرة على الحدود الإيرانية العراقية. بل إن أكثر مدينتين يجري ترويج المخدرات فيهما، هما: بغداد، وكربلاء، واللتان تستقبلان أعدادا كبيرة من الزوار الأجانب، - لاسيما - الإيرانيين. هذه المعلومات الخطيرة تتزامن مع اتهام مسؤول أمني بحريني لإيران، بتقديمها تسهيلات لمهربي، ومروجي المخدرات، الذين يستخدمون أراضيها للإنتاج. متسائلا، بأن: «إيران لا تدخل فيها إبرة دون علم الجهات الرسمية، فكيف تخرج منها هذه الكميات الضخمة من المخدرات دون علمها». وقال - الرائد - مبارك بن حويل - مدير إدارة مكافحة المخدرات في مملكة البحرين -، خلال عرضه تجربة البحرين في ختام الندوة الإقليمية لمكافحة المخدرات، وتبادل المعلومات، التي استضافتها الرياض: «إن التحقيقات التي تتم مع المهربين الإيرانيين الذين تعتقلهم بلاده في إطار عمليات مكافحة المخدرات، تؤكد أن هناك تسهيلات رسمية من الجانب الإيراني لهم». وتشكل هذه الأموال المتأتية من هذه التجارة، أهم مصدر لتمويل مختلف التنظيمات الإجرامية، وعلى رأسها: المنظمات الإرهابية، - إضافة - إلى أن هذه الأموال الإيرانية، وهي: نتاج بيع الأفيون المخدر، والخشاش، والترياق، والهروين، عبر خريطة النفوذ الإيراني لزراعة، وترويج المخدرات من طريقين رئيسيين إلى العراق، الطريق الأول: يمر الحدود الشرقية التي تربط العراق بإيران، ويستخدم من قبل العصابات الإيرانية، والأفغانية، أما الثاني: فيمر عبر وسط آسيا إلى إقليم كردستان وصولا إلى أوروبا الشرقية، تستخدمه عصابات من منطقة وسط آسيا، - بالإضافة - إلى عدد من الممرات البحرية الواقعة على الخليج العربي؛ ليتمكن الحرس الثوري بعد ذلك من استخدام هذه الأموال بعد غسلها؛ في استهداف حركة الأموال في المصارف الخليجية، كل ذلك؛ من أجل خدمة النظام الحاكم في إيران. من جانب آخر، فإن برقيات دبلوماسية أمريكية سربها موقع «ويكيليكس»، كشفت عن أن إيران تعتبر من أكبر مهربي المخدرات في العالم، وأن مسؤولين في الحرس الثوري متورطون في هذا التهريب. ونقلت برقية سرية بتاريخ 12 يونيو 2009 م، صدرت عن السفارة الأمريكية في باكو، بأن كميات الهيروين التي مصدرها إيران، والمصدرة إلى أذربيجان، ارتفعت من 20 كجم في 2006 م، إلى 59 ألف كجم في الربع الأول من 2009 م وحده، وأكدت البرقية التي تستند إلى تقارير سرية لمحققي الأمم المتحدة المكلفين بالملف، أن أذربيجان من الطرق الرئيسة لتصدير الهيروين المنتجة بالأفيون الأفغاني نحو أوروبا، والغرب. وتعتبر إيران أكبر مشترٍ للأفيون الأفغاني، وأحد أكبر منتجي الهيروين في العالم بحسب رواية الدبلوماسيين الأمريكيين، ويأتي 95% من الهيروين في أذربيجان من إيران، بينما تصدر الكمية - نفسها - من أذربيجان إلى السوق الأوربية. كما أفادت برقية دبلوماسية أخرى، بتاريخ 26 سبتمبر 2009 م، واستندت برقية بتاريخ 15 أكتوبر 2009 م، مصنفة «سرية» إلى خلف خلفوف، الذي كان وزير خارجية أذربيجان، قائلا: «إن عمليات التهريب بين أيدي أجهزة الأمن الإيرانية»، وأكد خلفوف، أنه: «عندما تعتقل السلطات الأذرية مهربين إيرانيين، وترحلهم إلى بلادهم؛ كي يقضوا فيها أحكاما بالسجن، يطلق سراحهم بسرعة». ويبدو أن السلطات الأفغانية أبلغت نظيرتها الأذرية، بأن قوات الأمن الإيرانية تتعاون مع مهربي المخدرات الأفغان. كما يبدو أن عمليات تنصت أذرية، أثبتت أن مسؤولين في قوات الأمن الإيرانية متورطون مباشرة في بيع، وتحويل الأفيون إلى هيروين، بحسب البرقيات التي سربتها «ويكيليكس». أخطر ما في الموضوع، هو: أن عوامل عديدة يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي بالاجتماعي، تؤكد على وجود رابط قوي بين المخدرات، والإرهاب، - لاسيما - وأن الاتجار بهذه الطريقة أصبح أمرا في غاية السهولة، كما أن الحصول عليه أمر في غاية البساطة. وهو ما يمثل تحديا صعبا تواجهه حكومات الدول المستهدفة، - خصوصا - إذا علمنا أن مثل هذه العمليات الإجرامية، تتطلب تجنيدا لأشخاص على درجة عالية من الخبرة؛ للقيام بمهمات ظاهرها تجاري، وباطنها استخباراتي. تقرير الأمم المتحدة عام 2008م عن المخدرات، بيَّن أن هناك تدهوراً خطيراً بات يفتك بشباب العالم على وجه التحديد، من خلال تزايد حجم التعاطي، وارتفاع قابلية التعاطي، وزيادة مستوى تجارة المخدرات غير الشرعية، وهو ما يفسّر حجم الزيادة المطردة في تعاطي، وانتشار المخدرات بجميع أنواعها في المملكة، - وخصوصاً - «الهيروين»، والمؤثّرات العقلية من نوع «كبتاجون، والحشيش، والقات». فبلادنا مستهدفة من قِبل مروّجي عصابات المخدرات في دينها، وأجيالها، وهي كباقي دول العالم تؤثّر، وتتأثر بما يدور حولها. في المقابل، فقد واجهت المملكة - خلال السنوات الماضية - حرباً خفيَّة مع تجار المخدرات، ومروِّجيها، ومهرّبيها، ومتعاطيها، على أكثر من جبهة، وفي جميع الأوقات؛ ليصفها - سمو الأمير - نايف - رحمه الله -، بأنها: «كارثة، ويحتاج الأمر إلى إبراز المشكلة أمام الناس، وتبيان مخاطرها؛ ليشترك الجميع في محاربتها». يقول - الأستاذ - إيهاب العصار: أصبح من المؤكّد في عصرنا الحديث، أن هناك بعض أجهزة الاستخبارات التابعة لعدد من الدول، تقوم باستخدام آفة المخدرات سلاحاً في إدارة، وقيادة حروبها السرية، والعلنية ضد دول أخرى، وذلك؛ من أجل تحقيق أهداف، في الغالب ما تكون أمنية، أو سياسية؛ ومن أجل الهيمنة، والسيطرة، أو نشر الإرهاب، والفلتان الأمني، وإلحاق الضرر بالنظام السياسي، والعمل على إسقاطه، وتغييره؛ بسبب أن سلاح المخدرات أثبت نجاعته في تدمير الشعوب، وإنهاك اقتصادها الوطني، واستنزاف أجيال كاملة من القوى البشرية، والشباب. إن الهدف المعلن من التهريب، والاتجار بالمخدرات، هو الكسب المادي للمروِّجين المحليين، وبعض العصابات الدولية، إلا أن هناك أهدافاً أخرى سرية سياسية، واستخباراتية غير معلنة، هي الغاية الحقيقية من وراء عمليات التهريب، والاتجار بالمخدرات، والسلاح، وغسل الأموال. وهي في العادة ما يكون خلفها تنظيمات دولية على مستوى عال من الحرفية، وربما على علاقات بجهات استخباراتية خارجية تابعة لدول، تهدف إلى نشر هذا الوباء بين صفوف أجيال الشباب؛ من أجل تدميره، وتحويله إلى مجموعات من المدمنين، والمرضى، والعاطلين عن العمل؛ ولكي يصبح العنصر البشري أداة هدم، وإجرام، وليس أداة بناء، وتعمير؛ مما يؤدي إلى إلحاق الضرر الفادح بالاقتصاد الوطني، والبنيان العائلي، والاجتماعي، والثقافي، والعمل على الإخلال بالأمن، والنظام العام، ونشر الجريمة بين صفوف المواطنين، وحجب أنظار الأجهزة الأمنية عن المشاكل الحقيقية، وتوجيه إشغالها في محاربة عصابات المخدرات؛ من أجل استنزاف المجهود الأمني، والقومي، والاقتصادي. صحيح، أن الجهود التي تبذلها، وتقوم بها اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، مع كافة الأجهزة الأمنية المختلفة، والجمارك، وحرس الحدود، هي جهود ملموسة، تتمثَّل في تبادل المعلومات، والإخبار عن المهربين، والمواد المهربة بين المنافذ الجمركية، فهي جهود تذكر فتشكر، إن في مجال التوعية، أو في مجال المطاردة، إلا أن المعالجة تتطلب نظرة شمولية تتجاوز جهود تلك المؤسسات الأمنية، كالمؤسسات الدينية، والإعلامية، والتربوية، وذلك من خلال زيادة الوعي الثقافي بأضرار المخدرات المحدقة بأبنائنا، وبناتنا، وغرس الاتجاهات السليمة نحو خطر هذه الآفة، وأضرارها لديهم؛ وحتى لا نعالج نتائج السلوك المنحرف - فقط -، بل نعالج الدوافع الحقيقية وراء تلك المشكلة، فإننا بحاجة إلى الاستفادة من دراسات مراكز أبحاث مكافحة الجريمة، والأخذ بتوصياتها. بقي القول: إن رفع مستوى التنسيق والتعاون بين الدول المعنية، مطلبان مهمان. فالتنسيق، يكون في القضايا ذات الاهتمام المشترك فيما بينها. والتعاون، يكون في مجال مكافحة المخدرات، وبذل المزيد من الجهود. وهذا يتطلب قدرا كبيرا من المعلومات الأمنية الدقيقة، من أجل وضع حد لهذه المشكلة التي أصبحت متفاقمة. وكبح جماح السياسة الإيرانية المتعمدة؛ لإغراق مجتمعاتنا بالرذيلة والإدمان، - خصوصا - وأن إيران - للأسف - ترفض التعاون في هذا المجال مع الدول المعنية.