تتفاوت تجارب الهيئات العليا للتطوير من حيث الأداء، أما من حيث الاختصاص والصلاحيات فهي تتشابه إلى حدٍ بعيد، وثمةَ جانب آخر للتفاوت، هو أن المزايا النسبية والتنافسية المتاحة بما في ذلك الفرص والتحديات فتنبع من ذاتية المنطقة الجغرافية التي تخدمها الهيئة. ولعل التجربة الأقدم في هذا المجال هي للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، التي كان لها مساهمة جوهرية في التخطيط والاشراف على نواحي التنمية والتطوير الاجتماعي- الاقتصادي في عاصمتنا، من خلال مرتكزين هما: التخطيط، والتنسيق بين الشركاء في القرار من الإدارات الحكومية والقطاع الخاص، لذلك تجد أن الجميع ممثلٌ في مجلس الهيئة، مما يؤدي لاتساق العمل فيما بينهم، وتحت سقف الهيئة وبإشراف سمو أمير المنطقة. وبحكم أن عمر الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تجاوز الأربعين عاماً، فلعل من المناسب إلقاء الضوء على هذه التجربة الثرية التي أكسبها تعاقب السنين حنكةً وتمكناً. فالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض هي السلطة التنظيمية، التخطيطية، التنفيذية، التنسيقية، المسؤولة عن تطوير مدينة الرياض، تأسست بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (717) وتاريخ (29 جمادى الأولى 1394هـ)، وهي سلطة مشتركة عليا، يرأسها سمو أمير منطقة الرياض، وسمو نائب أمير منطقة الرياض، وتضم في مجلسها عدداً من الجهات الحكومية ذات العلاقة، هي: وزارة المالية، وزارة الاقتصاد والتخطيط، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة المياه والكهرباء، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، ووزارة النقل، وأمانة منطقة الرياض، والشركة السعودية للكهرباء، ومركز المشاريع والتخطيط (وهو الذراع التنفيذية للهيئة)، والقطاع الخاص ممثلاً في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، والأهالي ممثلين بثلاثة أعضاء. وبالأمس القريب أعلن مجلس الوزراء الموقر عن إنشاء هيئة عليا لتطوير المنطقة الشرقية، تهدف إلى الإسهام في التطوير الشامل للمنطقة وتوفير احتياجاتها من المرافق العامة والخدمات، على أن يكون لهذه الهيئة مجلس يرأسه أمير المنطقة الشرقية وميزانية خاصة. ومن اختصاصات الهيئة رسم السياسة العامة لتطوير المنطقة وتنميتها، ومتابعة تنفيذ وتخطيط المشاريع، إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع والبرامج التي تنفذها منفردة أو بمشاركة جهات أخرى، والمشاركة في وضع خطط وميزانيات الجهات والمصالح الحكومية والمؤسسات العامة والهيئات وجمعيات النفع العام بما يضمن تحقيق التنمية المتوازنة في المنطقة. والمنطقة الشرقية هي الأكبر مساحةً بين مناطق السعودية؛ إذ تقل مساحتها قليلاً عن 700 ألف كيلومتر مربع، لتشكل ربع مساحة وطننا الغالي، وهي مرتكز رئيس للاقتصاد السعودي؛ التقليدي والنفطي والصناعي والخدمي على حدٍ سواء. كما أنها تمتلك مجموعة من المزايا النسبية كتوافر الموارد البشرية الراغبة للعمل إضافة للموارد الطبيعية وللموقع الجغرافي الاستراتيجي ومتاخمتها لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.. وفوق ذلك فقد عرفت المنطقة التحضر والاستقرار منذ ما يزيد على خمسة آلاف عام، فهي بقعة تتمتع بأفق سياحية متنوعة. وإطلاق هيئة عليا لتطوير المنطقة الشرقية يعني لملمة جهود التنمية الاجتماعية- الاقتصادية بما يرتقي برفاهية السكان ورضاهم تحقيقاً للتنمية المتوازنة في أنحاء المنطقة المترامية الأطراف. وفي نفس الوقت يزيد السعة الاقتصادية للمنطقة بما ينمي مساهمتها في النمو وتنويع الاقتصاد الوطني، وبما يتجاوز تناثر الاهتمام بين الإدارات الحكومية، وتقسيمه بين محافظاتٍ جغرافية؛ إذ إن تقوية حلقات التخطيط والتنفيذ والإشراف وتعزيز الروابط التي بينها سيجعل وتائر الإنجاز أكثر عطاءً واستجابةً.