مع الأسف الشديد، تفشت لدينا بعض الأفكار الضالة والمنحرفة، التي تتفاوت بين التشدد والغلو وبين الإقصاء والتكفير، بينما تلاشت في بلدان عديدة، فكيف تنامت؟ وهل أصبحت ظاهرة؟ قبل أن نبحث عن المسؤول عن ذلك، من وجهة نظري الشخصية، أن سبب تناميها هو كوننا مجتمعاً متديناً ومحافظاً، إلى درجة كبيرة، فقد استطاع مروجو هذه الأفكار الدخول إلينا من هذه البوابة، ومع مرور الزمن، أي قرابة الـ 30 عاماً، تكاثر الأتباع، مما جعل بعضنا يرى أن التطرف أصبح ظاهرة! من الإشارات المؤكِّدة أن هذا التطرف بدأ من الطفولة، فمعظم المراهقين، من أبنائنا، الذين نقول عنهم إنهم مغرر بهم، قد تشربوا الأفكار الهدامة في منازلهم أو في مدارسهم. هذا الطفل الذي يذهب من منزله، ينبغي أن يذهب إلى بيئة محصنة ضد الأفكار الضالة، بيئة تربوية، تتصف بالاستقرار النفسي والاجتماعي، لا مكان فيها للتطرف والغلو، لأن الطفل يتأثر بالمحاكاة، فمعلمه يؤثر في بنائه الفكري والمعرفي بالممارسة، قبل التعليم، وهذا ما يسمى بالمنهج الحفي. ليس المعلم فحسب، بل، هناك المقررات الدراسية، التي قد تجد فيها بعض الإشارات إلى موضوع الجهاد ، مثلاً، وهذا أمر موجود في الدين، ولا غضاضة في ذلك، لكن خشية أن يفسره المراهق تفسيراً خاطئاً، ألا يحسُن تأجيله إلى مرحلة تعليمية أعلى؟ كالمرحلة الجامعية فالطلاب، فيها، أكثر نضجاً وإدراكاً للمدلولات الشرعية، من المراهقين، الذين قد تنغرس في نفوسهم وعقولهم كراهية الآخر بسبب سوء فهمهم ذلك. القنوات الفضائية والمؤسسات المجتمعية الأخرى لها دور فعّال في تشكيل سلوك النشء وفق أطر معينة، فلا نفاجأ بمن دبّر لنا المكائد وخطّط لنشر الفوضى في بلدنا عندما نكتشف، في النهاية، أنه من أبنائنا، الذين تربّوا في منازلنا، ودرسوا في مدارسنا وجامعاتنا، ولم يَغْزُنا من الفضاء الخارجي. المجتمع، بأكمله، مسؤول عن ذلك، فلا ينبغي أن نلقي باللائمة على المدرسة وحدها، فكل منا مسؤول، في البيت والنادي والمسجد والصحيفة والقناة الفضائية والمؤسسة المجتمعية، كل منا مسؤول عن أمن البلد، وبالتالي بناء أجيال متزنة فكرياً، تتصف بالتسامح والوسطية لخدمة الدين والوطن.