تمكّنت جماعة عبدالملك الحوثي المعروفة باسم «أنصار الله» من السيطرة على مفاصل الدولة اليمنية في 21 أيلول (سبتمبر) الماضي. ولم تقتصر سيطرتها على البرلمان والبنك المركزي وديوان مجلس الوزراء فحسب، بل تعدّتها إلى تفريغ مخازن الأسلحة في مقر قيادة الجيش اليمني وسط صنعاء، ونقلها إلى مراكزها بحراسة مسلحيها. كما سيطرت على مبنى وزارة الدفاع ومبنى البنك المركزي في العاصمة، وكذلك مقر القيادة العليا للقوات المسلحة وهيئة الأركان العامة وسط صنعاء، واقتحم عناصرها «مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا»، وهي أكبر مستشفى خاصة في العاصمة، ونهبوا محتوياتها، وسيطروا على مبنى التلفزيون الرسمي للدولة. وهاجم الحوثيون منازل خصومهم شمال العاصمة، وهي مملوكة لأولاد الشيخ عبدالله الأحمر الذين يمثلون «حزب الإصلاح اليمني»، ودمروها بالكامل لتأكيد إحكام سيطرتهم على المكان وهزيمة أعدائهم. بين التمكين من العاصمة واتفاق السلم في 20 أيلول (سبتمبر) الماضي، أعلن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن جمال بنعمر أن الأطراف اليمنيين توصلوا إلى صيغة اتفاق ينهي الأزمة القائمة بين الحكومة والحوثيين، مشيراً إلى ترتيبات تجري حالياً لتوقيع اتفاق في اليوم التالي يقضي بوقف المواجهات الجارية بين الطرفين. وعلى رغم الإعلان، إلا أن طرفي النزاع لم يعقّبا على البيان، بل أن اللجنة الأمنية العليا في اليمن أعلنت حظر التجول في عدد من أحياء العاصمة بسبب «مستجدات الموقف الأمني الراهن»، وتلى ذلك سيطرة الحوثيين على مبنى التلفزيون الرسمي للدولة. استخدم الحوثيون الأسلحة الثقيلة أثناء سيطرتهم على الشارع في العاصمة اليمنية، في حين أصدر بنعمر بيانات مستنكرة لتلك التحركات، وانتشر الجيش اليمني في العاصمة متجنباً أماكن تواجد الحوثيين الذين لم يصدر عنهم أي تعليق على التطورات. لماذا العاصمة صنعاء؟ يعتقد أنصار الحوثي أن صنعاء هدف مهم ورمز سياسي يجب السيطرة عليه قبل الجلوس على مائدة المفاوضات، فسقوطها في أيديهم يعني سقوط الدولة وهيبتها. وهم كانوا سايروا مفاوضات مبعوث الأمم المتحدة من دون اعتراض، إلى أن حان الوقت المناسب فدفعوا بكامل إمكانياتهم وطاقاتهم للسيطرة عليها، فضلاً عن رفضهم التوقيع على الملحق الآمن لـ«اتفاق السلم والشراكة الوطنية» الذي يقضي بانسحابهم من محافظة عمران شمال البلاد، والتي يسيطرون عليها منذ نحو 3 أشهر، بالإضافة إلى انسحابهم من الأماكن التي سيطروا عليها بقوة السلاح من كل من محافظتي الجوف ومأرب. هدف آخر قال محللون إن الحوثيين سعوا إلى تحقيقه من خلال سيطرتهم على صنعاء، هو الاستفادة القصوى من التفاوض قبل التوقيع على «اتفاق السلم والشراكة الوطنية»، وهو ما تحقق بالفعل، إذ اشترطوا تشكيل حكومة كفاءات في مدة لا تتجاوز الشهر، وتعيين مستشار لرئيس الجمهورية من الحوثيين، وخفض أسعار مشتقات النفط، وتوفيره في كل محطات العاصمة وبقية المحافظات بالأسعار الجديدة، ووقع الرئيس اليمني الاتفاق مرغماً بالموافقة على مطالبهم. وحرصت جماعة الحوثي، على مدار عامين، على عدم استعداء أحد من الأطراف السياسيين، بل تعمدت طمأنة الجميع من تواجدها على الساحة السياسية في كامل قوتها وتسليحها، كما استوعبت أيضاً الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، فعوّلت على تحييده، ونجحت في تحقيق ذلك بالقوة، على رغم خوضه ست حروب ضدها من العام 2004 حتى 2010. كما ذكر بعض المحللين أن صالح استغل هذه العلاقة مع الحوثيين، وعمد إلى التمهيد لسيطرتهم على العاصمة، لما تربطه من علاقات قوية مع قادة الجيش، وهو ما ظهر بعد الاجتياح حيث تجنب الجيش الصدام مع الحوثيين، ولم يرفع سلاحه ضدهم حفاظاً على هيبة الدولة واستتباب الأمن في المجتمع. والحالة الانتقالية التي شهدتها الساحة اليمنية أخيراً، والتي عمدت فيها جماعة الحوثي إلى الانخراط في العملية السياسية عبر الحوار الوطني الذي استمر 10 أشهر، لم تؤدّ إلى توقف التوسعات العسكرية أو الاشتباكات بين فينة وأخرى. في المقابل، لم يفلح الرئيس اليمني في التصدي لجماعة الحوثي، بل انتظر الدعم الخارجي وعوّل على تدخل مجلس الأمن لإصدار عقوبات ضدها، إذ كانت هناك رسائل سابقة من مجلس الأمن تعتبر الحوثيين جماعة معرقلة لعملية الانتقال السياسي في البلد، إلا أنه بدا واضحاً عدم رغبة مجلس الأمن في إصدار مثل هذه القرارات. وحتى الآن لم تصدر عن مجلس الأمن أي من الإجراءات التي كان يشير إليها. وأجمع المحللون على أن ضعف حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في إدارة شؤون البلاد، وابتعاد الأحزاب المشاركة من مركز اتخاذ القرار، وسوء تقديره لكثير من الأمور الهامة، كل ذلك أدى إلى سقوط صنعاء في أيدي جماعة «أنصار الله».