من زايدِ الخيرات كان المُحتفى والرافعانِ لواءَه ما أخلفا بو راشدٍ يمشي بجنبِ عَضيدِه بو خالدٍ نعم العضيدُ المُصطفى نجمان في قلب السماء تلألآ نهران من فيض العطاء تعطّفا يا زايد الخيرات نجمك ساطعٌ متوهّجاً في الدار نورُكَ ما انطفا وبَنوكَ يا شيخ الرجال تعاهدوا أن لا يُكَدَّرَ من مياهك ما صفا من هذه الصحراءِ طار مُحلِّقاً هزّاعُ نسراً في الفضاءِ وما غفا هزّاعُ يا نسرَ الرجال كفيتنا وقطفتَ حلم القائدَيْن الأشرفا «من الصحراء إلى الفضاء» جملةٌ مُكثّفة تلخص حكاية الوطن مع هذا الحلم الجميل، احتفظت بها ذاكرة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، من كلام شيخه وأستاذه الأكبر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، طيب الله ثراه، باني الوطن وشيخ الجزيرة وفارس الديرة الذي طلع في سماء هذه الدنيا نجماً وهاجاً لا يغيب. فمنذ النشأة المبكرة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقبلَ خمسةٍ وأربعين عاماً، وتحديداً في 30 / 12/ 1974م كتب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الكلمة التالية: «إنّ رحلات الفضاء يفخر بها كلُّ إنسان على وجه الأرض لأنها تُجسّد الإيمان بالله وقدرته. ونحن نشعر كعربٍ بأن لنا دوراً عظيماً في هذا المشروع وفي هذه الأبحاث، ونحن فخورون بالتقدم الهائل في علوم الفضاء بفضل القواعد التي أرساها العلماءُ العرب منذ مئات السنين، ونأمل أن يعمّ السلامُ ويدرك البشر الأخطار التي تُهدّدهم بسبب التأخر». لم يكتب زايد، رحمه الله، الكتب، ولكنّه نقش حكمته في صدور حَوارييه ومُريديه من رجال الوطن الذين التفّوا حوله وحملوا معه لواء البلاد، وعاهدوه على تحقيق الأحلام، وكان في طليعة مَنْ تلقّى عنه وعاهده المحمّدان: صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، اللذان ضربا أروع الأمثلة في التعاون والإخاء، وأصبحا القدوة الحسنة لكل الشباب الناظر إلى التقدم والبناء، وها هي الإمارات تحقق واحداً من أضخم الإنجازات الحضارية بوصول رائدها الفارس الشجاع هزاع المنصوري إلى الفضاء، والالتحاق بكوكبة من خيرة العقول الإنسانية للعمل في محطة الفضاء الدولية التي تُجمع الدراسات الاستراتيجية على أنها أعظم إنجاز بشري في هذا القرن. حيث أسهمت الدول الكبرى وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا واليابان وكندا وعشر الدول الأوروبية الأخرى في تكاليف بنائها التي تُعدّ الأعلى في تاريخ البشرية، إذْ بلغت حتى الآن مئة وخمسين مليار دولار، وتسير بسرعة 27 ألف كيلومتر في الساعة، وتدور حول الأرض كل تسعين دقيقة، وعلى متنها مجموعة من رواد الفضاء الذين تجمعهم الرغبة في تطوير المعرفة الإنسانية على اختلاف ثقافاتهم وأديانهم، بحيث يمكن القول إنها تجسّد لحظة من لحظات الإخاء الإنساني في أجواء الفضاء بعيداً عن مشكلات الأرض وتناحرات السياسة والاقتصاد. لقد قصّ صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم طرفاً جميلاً من خفايا هذا الحلم، وكيف أنّ العوائق كانت تزيده وأخاه صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان صلابةً وتصميماً على تحقيق حلم المؤسس الكبير، يقول، رعاه الله، في توضيح ذلك من خلال تغريدة جميلة له يوم الأربعاء 25 / 9/ 2019م على حسابه الرسمي في تويتر: «قبل أكثر من عامين، أطلقتُ أنا وأخي محمد بن زايد برنامج الإمارات لرواد الفضاء، واليومَ نحتفل بانطلاق أول رائدٍ في مهمة تاريخية إلى محطة الفضاء الدولية، إنجازٌ إماراتي نفخر به ونُهديه للأمتين العربية والإسلامية». وها هُما الأمتان العربية والإسلامية يا صاحب السموّ يشاطرون أشقاءهم في وطن العطاء الإمارات هذه الفرحة النادرة، ويفتخرون بهذا الرائد الشجاع الذي رفع رأس وطنه وأمته عالياً في أعلى نقطة وصل إليها الإنسان وأقام فيها. وتأكيداً لعظمة هذا الإنجاز، قال صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، احتفاءً بهذا الحدث العظيم في تاريخ الوطن: «مثلما لا حدودَ للفضاء، فلا حدود لطموحاتنا في تحقيق مزيدٍ من الإنجازات لوطننا»، هذا الوطن الذي يقدّم لأبنائه أروع الإمكانيات والفرص لاستخراج الطاقات المبدعة القادرة على تقديم أفضل ما لديها من أنوار العقل ومباهج الروح والوجدان. فالأوطان لا تُبنى بالسوط والقانون، بل تُبنى بالانتماء والحب والعمل الدؤوب المتواصل الذي تندفع من خلاله الروح والبدن نحو إعلاء شأن الوطن، وهو ما نلمسه أمامَ أعيننا في السياسة العامة لإدارة البلاد ومشاريعها الكبرى التي يتعاون على تنفيذها حُكّام البلاد بتعاونٍ نادر ومحبة صافية وأخلاق إدارية متفردة، وإلّا فكيف يتهيّأ لدولة ناشئةٍ أن تكون بهذا الحجمِ والحضورِ على مستوى العالم، ليس في هذا الإنجاز فقط، بل في جميع مجالات الحياة التي تشهد إيقاعاً في التقدم غير مسبوقٍ في وطننا العربي الكبير. إنّ الدلالة العميقة لهذا الإنجاز الحضاري المتقدم امتلاك الثقة بالذات التي هي سرّ التقدم في جميع الأمم التي خرجت من قوقعة التخلف وانطلقت بثقة واقتدار نحو مدار الإبداع والإنجاز، فالمهزوم لا ينتصر ولا يتقدّم، وغير خافٍ أن العلم الحديث هو سرّ التقدم والتفوق الحضاري بين الأمم، وأنه يكاد يكون نصيب العرب منه ضئيلاً حتى أوشك أن يستقرّ في نفوس أبنائنا أننا من الشعوب التي لا تصلح للعلم والتقدم، فجاءت هذه الخطوة الجبارة لتقول للجميع: إنّ العرب ليسوا بأقلّ من غيرهم حين تتوافر الإرادة السياسية والعلمية لتحقيق المستحيل، وهو ما عبّر عنه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تغريدة أخرى له على تويتر حيث يقول: «وصولُ هزّاع المنصوري يعني أننا يمكن أن نتقدّم ونتحرك للأمام ونلحق بالآخرين»، ثم أشرع صاحب السموّ الأبواب على أُفقٍ عال يحتاج إلى همم عالية حيث يقول: «محطتنا القادمة هي المريخ عن طريق مسبار الأمل الذي صمّمه شبابُنا بكل اقتدار». وكما يذهب صاحب السموّ إلى المنطقة الشرقية ليشكر ويشجع شاباً يافعاً على موقف بطولي تجلى في إنقاذ زملائه من كارثة، وكما يجلس صاحب السموّ على الأرض مع رجل فقير قد طار غراب رأسه واشتعل رأسه شيباً يسأله عن حاجاته ويتلطف له بالحديث، ويأمر له بكل ما يجعل من حياته بهجة وسعادة، يتصل سموّه ومن مسافة بالبطل الجديد للوطن احتفاء بالبطولة، وينقل لهزاع المنصوري سعادة شعب الإمارات بهذا الإنجاز الحضاري الفريد، وفخر القيادة بهذا الصقر الشجاع الذي رفع رأس بلاده وأمته عالياً بين الأمم المتقدمة. فالذهابُ إلى الفضاء ليس نزهة سهلة، بل يحتاج من التدريب والشجاعة والصبر وبسالة القلب ما لا يدخل في حدود الطاقة، مؤكداً سموّه أنّ هذا الرائد الشجاع قد أصبح قدوةً لأبناء الوطن الذين سيتابعون مسيرته، وأن هناك طوابير من شباب الإمارات الذين سيكونون على الطريق القادم للوصول إلى الفضاء، وأنّه لا توجد في الإمارات كلمة مستحيل، موضحاً ذلك بقوله: «على الرغم من أنّ الجميع لم يصدقنا حين ذكرنا الوصول إلى المريخ، فإننا اتخذنا على عاتقنا أنا وأخي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الوصول بالإمارات ونَعِدُكم بتحقيقه»، ليكون الجواب من ذلك البطل الشجاع: «تعلمنا منكم يا صاحب السموّ في دولة الإمارات أنّ الفرص مُتاحةٌ لجميع المجتهدين»؛ ليلخص بهذه المقولة الصادقة البسيطة معادلة الحياة وطبيعتها في هذا الوطن المعطاء الجميل. أيها الشيخان الجليلان، هنيئاً للوطن بكما وأنتما تحملان الحمول الثقال، وتقودان السفينة نحو شاطئ الأمان، وتغرسان المحبة والنخلة وتنشئان المدارس والمصانع، ورحماتُ ربي على روح الفارس الذي واخى بين قلبيكما، ويبتسم قلبه حين يراكما تصونان العهد، وترفعان لواء الوطن فوق السحاب. تعجز الكلمات عن التعبير عن جلال هذه اللحظات، ومهما كتبنا من الصفحات في تخليد هذا الحدث، فإننا نعتذر عن التقصير، فطوبى لوطن ترعاه عيونكم المتيقظة وقلبكم الطيب الكبير الذي تسيل أنهاره بكل بديعٍ من الفكر والنثر والقوافي والعزيمة الصادقة في الإعمار والبناء. طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App