انتقلت عدوى نقل القصص والأعمال التركية إلى السعودية، وباتت تتزايد بشكل ملحوظ، وذلك بعدما سجلت نجاحات جماهيرية حين عمل عليها السوريون وكذلك اللبنانيون، (ربما لتقارب البيئتين إلى حد ما مع البيئة التركية) واستقبلتها الشاشات الخليجية بالترحاب وحظيت بالمتابعة. إلا أن هذه الموجة التي انتقلت إلى الدراما السعودية على نحو متزايد في الآونة الأخيرة أثارت موجة من التساؤلات الواسعة حول مدى ملاءمتها للبيئة السعودية المحلية، فمن اختلاف القيم، إلى تباين طبيعة العلاقات، وتناقض أساليب الصراع، بات المشاهد السعودي يلحظ فجوة واضحة بين ما يعرض على الشاشة وما يعيشه في واقعه. وفتحت هذه الفجوة نقاشًا جادًا حول تأثير الدراما المستوردة على الهوية الفنية المحلية، وحول الحاجة إلى بناء محتوى سعودي أصيل يعكس طبيعة المجتمع المحلي ويتناول قضاياه، بدل أن يكرر نماذج دخيلة لا تشبهه. تحدي الأعراف الاجتماعية يوضح المخرج هاني حجازي أن الأعمال التركية، التي تعتمد في مجملها على صراعات فردية تتحدى الأعراف الاجتماعية، تثير جدلاً واسعاً عند عرضها في المجتمع السعودي المعروف بترابطه الأسري واحترامه للقيم الجماعية. ففي الوقت الذي تُقدّم فيه الدراما التركية التمرد كوسيلة للتحرر، كما في مسلسلات «عشق» و«فاطمة غولنور»، يُنظر إلى هذا السلوك في البيئة السعودية كعامل يهدد الاستقرار الاجتماعي ويقوّض البناء الأسري. هذا التباين يعيد طرح سؤال مدى ملاءمة استيراد هذه الأنماط الدرامية دون معالجة أو مواءمة. الخيانة والتمرد تعتمد الدراما التركية على عناصر صراع بارزة مثل الخيانة الزوجية، والتمرد على السلطة الأبوية، كما يظهر في «حريم السلطان» الذي يتناول الغدر بوصفه محوراً للأحداث، أو «القلب الجريء» الذي تبنى قصته على علاقات غير مشروعة. وعلى الرغم من أن هذه العناصر تضفي إثارة وتشويقاً يجذب جمهوراً واسعاً، فإنها تعكس ثقافة أكثر انفتاحاً في تناول الممنوعات، مما يجعلها بعيدة عن السياق الاجتماعي السعودي. تأثير الأنماط إن نقل هذه العناصر إلى الإنتاج المحلي يثير مخاوف من تراجع القيم التقليدية، وصعود النزعة الفردية على حساب الروابط الأسرية. ويرى مختصون أن تبني حبكات تتمحور حول الخيانة أو الهروب قد يؤثر على نظرة الشباب للعلاقات الاجتماعية، ويشوّه الصورة الثقافية السعودية، بخاصة في ظل غياب حلول محلية للمشكلات المطروحة. وعلى المدى الطويل، قد تتغير ديناميكيات الأسرة مع تعاظم حضور قصص لا تنسجم بالكامل مع الواقع السعودي. سعودة القصص تطرح فكرة «سعودة» القصص المستوردة حلاً وسطاً، عبر الإبقاء على البناء الدرامي العام مع إعادة صياغة السلوكيات لتتلاءم مع القيم المحلية. فبدلاً من تصوير الخيانة بوصفها محور الصراع، يمكن تحويلها إلى أزمة داخلية تُعالج بالحوار الأسري أو الوساطة الاجتماعية. كما يمكن استبدال العلاقات السرية بمواقف اجتماعية واقعية تُحافظ على التشويق دون الإخلال بالثوابت. بدائل محلية قدمت الدراما السعودية نماذج ناجحة تناولت قضايا المجتمع بخصوصيته، مثل «طاش ما طاش» الذي عالج المشكلات الاجتماعية بطابع نقدي ساخر دون المساس بالقيم الأسرية، ومسلسل «عُمَر» الذي قدّم حبكات تاريخية عززت مفاهيم الوحدة والترابط. هذه الأعمال تقدم بديلاً أصيلاً قادرًا على منافسة الدراما التركية دون استنساخ عناصر مثيرة للجدل. أمثلة واقتباسات تظهر في مسلسل «عشق» لقطة هروب الزوجة مع عشيقها، وهو مشهد قد يُعاد توظيفه محلياً ليصبح خلافاً أسرياً يُحل بالمصالحة. وفي «القلب الجريء» تتحول العلاقة السرية التي تنتهي بالهروب إلى قصة حب ضمن قيود اجتماعية تُعالج بدعم العائلة، بما يعكس الفرق بين التمرد الفردي التركي والحلول الجماعية السعودية. ويشير المخرج السينمائي ممدوح سالم إلى أن تعارض القيم بين الدراما التركية والبيئة المحلية السعودية يشكل فجوة تهدد بتغييب الهوية الدرامية، وهو يقول «تثير محاولات نقل بعض الأعمال التركية إلى السياق السعودي جدلاً متصاعدًا، في ظل اختلاف عميق بين المنظومة القيمية في المجتمعين. فالدراما التركية تقوم على تصور مختلف للعائلة وحدود العلاقات وطبيعة الصراعات، الأمر الذي يجعل استنساخها داخل البيئة السعودية يخلق فجوة واضحة بين المشاهد والنص؛ إذ تبدو السلوكيات بعيدة عن الواقع المحلي وغير منسجمة مع الامتداد الثقافي للمجتمع». هيمنة الخيانة تعتمد أغلب المسلسلات التركية على «الخيانة، التمرد، والعلاقات السرية» كركائز أساسية لإشعال الأحداث الدرامية. ورغم نجاح هذه الوصفات داخل السوق التركي، فإن نقلها كما هي إلى الدراما السعودية يحوّل العمل إلى مجرد إثارة مجانية، ويجرد الشخصيات من العمق، لأنها لا تتسق مع تركيبة المجتمع المحلي ولا مع أولوياته القيمية. نقل غير واع يمثل استيراد نماذج صراع لا تنتمي إلى البيئة السعودية تهديدًا مباشرًا للهوية الدرامية الوطنية. إذ يؤدي تكرار هذه الأنماط إلى تقديم صورة مشوهة عن العلاقات الاجتماعية، وكأن المجتمع السعودي لا يعرف سوى الخيانة والهروب والصدامات، بينما الحقيقة أن الواقع المحلي يحمل ثراء وتنوعًا أكبر بكثير مما يظهر على الشاشة. إعادة صياغة مع ذلك، يرى متخصصون أن الاقتباس ليس خطأ بحد ذاته، بشرط إعادة صياغة الشخصيات ودوافعها وسلوكياتها لتنسجم مع الثقافة السعودية. فـ«سعودة القصة» لا تهدف إلى تقليد الدراما التركية، بل إلى الاستفادة من بنية الحبكة مع إعادة إنتاجها بروح سعودية وقيم واقعية تعيش في تفاصيل المجتمع. منجم قصص مهمل يمتلك المجتمع السعودي ملايين القصص القابلة للمعالجة الدرامية؛ من العلاقات الأسرية، إلى تحديات الشباب، إلى التحولات الاجتماعية والصراع بين التقليد والحداثة، مرورًا بتجارب المدن الصغيرة والتقلبات اليومية للناس. هذه العناصر وحدها تحمل توتراً درامياً حقيقياً، بعيدًا عن «الخيانة المصطنعة» التي تُستخدم غالبا في الدراما التركية لملء الفراغ البنائي. اقتباس بدل النقل تظهر الدراما التركية مشاهد متكررة مثل الهروب بسبب علاقة، أو الخيانة داخل العائلة، أو الصدام الحاد مع الوالدين. وفي حال اقتباس مثل هذه التوترات، يمكن إعادة صياغتها بما يتوافق مع المجتمع السعودي: فبدل «الهروب»، قد تتحول القصة إلى أزمة ثقة داخل الأسرة؛ وبدل «الخيانة المباشرة»، يمكن تقديم صراع حول الطموحات أو ضغوط الحياة أو سوء الاختيار. الفكرة لا تتعلق بإلغاء التوتر الدرامي، بل بإعادة تشكيله ليصبح واقعيًا ويحترم الخصوصية المحلية. ويرى المخرج، المنتج فيصل يماني أن «الدراما هي فكرة»، ويضيف «الفكرة ليست مشروطة بأن تمثل الواقع أو تمثل المجتمع وفكره، فقد تقدم جرعة درامية ترفيهية دون ارتباط بأي محددات مجتمعية معينة في حدود العادات والتقاليد المقبولة، مثال على ذلك بعض المسلسلات الغربية التي تقدم أبطالًا خارقين أو خرافات أو أساطير، وكل هذه أعمال خارجة عن المنطق، لكنها مكتوبة باحترافية عالية، وهي تقدم جرعة ترفيهية، وفاصلًا قد يكون مريحًا بعيدًا عن الواقع». ويضيف، «إن سعودة الأعمال التركية، أي جعلها أعمالًا ملائمة للبيئة السعودية ومتسقة مع أعرافها وتقاليدها فكرة جميلة، ويمكن كتابة الأعمال والأفكار باحترافية عالية، ويمكن تحوير الأحداث بحيث تتماشى مع منطق وتفكير المشاهد السعودي». أعمال لاقت المتابعة لم تكن كل الأعمال السعودية المستوحاة من الدراما التركية بعيدة عن البيئة المحلية أو صادمة لها، بل نجح بعضها في تحقيق مواكبة جميلة بدت منطقية للمتابع المحلي مثل مسليل خريف القلب المقتبس من «Karagül» التركي، لكنه نجح في تقديم قصة ملائمة للواقع المحلي حول خطأ استبدال مولودتين في مستشفى، وهي قصص سمعنا عنها كثيرا في الواقع. وبالتالي، فإن بعض الأعمال المستوحاة من دراما تركية يمكنها أن تحقق معادلة التوافق مع القيم المحلية إذا ما تم العمل عليها بعناية ويمكنها أن تضفي بعدًا جماليًا للدراما المحلية دون أن تهدد هويتها. أعمال سعودية مستوحاة من الدراما التركية «خريف القلب» (مقتبس من «Karagül» التركي) «أمي» (مقتبس من «Anne» التركي) «المرسى» (مقتبس من «على مر الزمان» التركي) ما هي مخاوف استنساخ الدراما التركية سعوديا ـ الخشية من عدم ملاءمتها للبيئة السعودية المحلية نتيجة اختلاف القيم وتباين طبيعة العلاقات وتناقض أساليب الصراع ـ تحدي الأعراف تحدي الأعراف الاجتماعية لمجتمع سعودي معروف بترابطه الأسري واحترامه للقيم الجماعية ـ التمرد كوسيلة للتحرر والخيانة وقصص العلاقات غير المشروعة كثيرًا ما تكون محور الدراما التركية ـ تكريس أنماط التمرد والخيانة والعلاقات غير المشروعة يثير مخاوف من تراجع القيم التقليدية المحلية وصعود النزعة الفردية على حساب الروابط الأسرية ـ قد تؤثر على نظرة الشباب للعلاقات الاجتماعية وتشوه الصورة الثقافية السعودية