وتتواصل المناسبات والأحداث الكبرى المفرحة في الرياض.. فبعد أن نجحت بلادنا في حث الأمم المتحدة على تبني المبادرة السعودية بتخصيص (24 نوفمبر) ليكون يوماً عالمياً للتوائم الملتصقة، (بهدف رفع مستوى الوعي حول هذه الحالات الإنسانية والاحتفاء بالإنجازات في مجال عمليات فصل التوائم الملتصقة)، تبادر المملكة إلى تنظيم مؤتمر سنوي يتزامن مع هذا الحدث العالمي، وهذا هو الذي سوف تشهده الرياض الأحد القادم بانعقاد مؤتمر دولي بمناسبة مرور 30 عاماً على بدء (البرنامج السعودي للتوائم الملتصقة)، ويشارك في المؤتمر وزراء وقيادات وخبرات عالمية متخصصة في مجال فصل التوائم، وأيضا يشارك في جلساته متخصصون في المجالين الطبي والإنساني من شتى دول العالم. المؤتمر يقام تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وينظمه مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وهذه الرعاية تؤكد أن هذا البرنامج يحظى بالدعم الكبير من خادم الحرمين الشريفين ومن سمو ولي عهده -حفظهما الله-، مما ساهم في استمراره وتطوره وتوسع دوره في خدمة الإنسانية. هذا المؤتمر الدولي يُعد الأول في العالم المخصص للتوائم الملتصقة، والمملكة تواصل جهودها لخدمة هذه الحاجة الإنسانية مستفيدة من التجربة السعودية الرائدة في فصل التوائم التي انطلقت منذ العام 1990م، وكانت بداية البرنامج السعودي الذي استمر على مدى 34 عاما، تم خلالها إجراء 61 عملية فصل ناجحة، وتم في إطاره التقييم الطبي لـ 139 حالة من 26 دولة. هذا البرنامج أصبح يُقدم كإحدى المبادرات التي تخدم الإنسانية، والتي أضافت بعداً نوعياً فريدا في التعاون الدولي في المجال الإنساني، فالتوائم الملتصقون وعائلاتهم يواجهون مجموعة من التحديات الطبية والاجتماعية والمالية، وهذا يجعل البرنامج (إغاثيا وإنسانياً)، فعائلات الأطفال الملتصقون تنقلب حالهم نفسيا وماليا واجتماعياً، فغالبًا يتشارك التوائم الملتصقون في الأعضاء أو الأنظمة الحيوية، مما قد يؤدي إلى مشاكل طبية معقدة. وقد يتطلب هذا إجراء جراحات متعددة ورعاية طبية مستمرة، مما يزيد من خطر حدوث مضاعفات. إنها تجربة إنسانية صعبة. وقد يتطلب العديد من التوائم الملتصقة جراحات فصل معقدة وتنطوي على أخطار كبيرة. وعادة يكون قرار الموافقة على عملية الفصل مرهقًا عاطفيًا وجسديًا للعائلات حيث تواجه مشاعر القلق والخوف والتوتر خوفاً على صحة أطفالهم ومستقبلهم، ويمكن أن يمتد التأثير النفسي إلى التوائم أنفسهم. حتى بعد الانفصال، قد يواجه التوأم الملتصق مشاكل صحية طويلة الأمد تتعلق بظروفهم الفسيولوجية الفريدة، مما يتطلب مراقبة ورعاية مستمرة، لذا التحديات التي يواجهها التوأم الملتصق وأسرهم متعددة، وتتطلب دعمًا طبيًا وعاطفيًا واجتماعيًا شاملاً للتعامل مع ظروفهم الفريدة بشكل فعال. إنها تجربة إنسانية صعبة! ولهذا نحن نسعد بهذا المؤتمر لأنه يؤكد لنا وللعالم التزام السعودية بالقضايا الإنسانية، خاصة التي تخدم الطفولة بكل مجالاتها بالذات ذوي الحالات الخاصة مثل التوائم الملتصقة، فهذا يعزز صورة المملكة كمركز إنساني يقدم الدعم للمرضى وأسرهم، ويعزز دورها الريادي في أحد البرامج الطبية الإنسانية الأكثر دقة وصعوبة والأكثر تكلفة. طبعا هذا البرنامج ثبت ونجح في الثلاثة العقود الماضية بسبب استثمار قيادة بلادنا في بناء الكوادر البشرية المتميزة على المستوى الدولي، فجراحات فصل التوائم كان لها الأثر الكبير المباشر على تطور الخبرة الفنية الطبية في المملكة، والاستمرار في البرنامج ساهم في الريادة الطبية في تخصص فصل التوائم. واستضافة هذا المؤتمر يؤكد التزام السعودية بتعزيز الابتكار والبحث في المجال الطبي، ويضعها في مقدمة الدول التي تقود الأبحاث الطبية المتقدمة الدقيقة المتخصصة، مما يعزز سمعتنا كوجهة للخبرة الطبية. والأهم أيضا تعزيز التطوير المهني لكوادرنا الطبية، فتنظيم مثل هذا الحدث يوفر فرصًا للتعليم والتدريب المهني للأطباء والمختصين السعوديين، مما يسهم في تطوير الكفاءات المحلية وتعزيز مستوى الخدمات الصحية. وهذا المؤتمر المتخصص من منافعه أيضاً تعزيز العلاقات الدولية الطبية، فاجتماع الخبراء والمتخصصين من جميع أنحاء العالم يساعد على بناء علاقات تعاون دولية في مجال الطب والعلوم، مما يعزز مكانة السعودية كداعم للبحث والتطوير بين المختصين خصوصاً في مجال تتسارع فيه التطورات التقنية والعلاجية. الذي يطلع على المجلات العلمية المتخصصة يجد أن السنوات الأخيرة شهدت تطورات كبيرة في التقنيات والأساليب المُستخدمة في فصل التوائم الملتصقة مثل تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي المحوسب، التي تسمح بتصوير مفصل للهياكل التشريحية المشتركة بين التوائم الملتصقة. وهذا التصوير المحسن يساعد الجراحين على التخطيط للفصل بدقة أكبر. أيضا تطور تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد يقدم فتحا جديدا، فهذه التقنية تُساعد في (إنشاء نماذج خاصة بالمريض لتشريح التوائم). الآن يمكن للجراحين ممارسة إجراء الفصل على هذه النماذج، مما يعزز فهمهم للتعقيدات المتضمنة ويحسن الدقة في الجراحة أثناء العملية الفعلية. كذلك الجراحة بمساعدة الروبوتات تتطور بشكل متسارع، فهذه ساعدت الجراحين على البراعة والدقة في العمليات، و(يؤدي إلى تقليل الصدمات والتعافي بشكل أسرع وانخفاض معدلات المضاعفات للتوأم). أيضا هناك تطور يخص الفرق الجراحية متعددة التخصصات التي تجري عمليات الفصل، فهذه تحتاج فرقا متعددة التخصصات الطبية، وهذه الفرق تحتاج التحسين المستمر لعملها لضمان العمل الجماعي الفعال. طبعا هناك الكثير من التطورات الفنية الدقيقة المعقدة التي يعرفها الخبراء، وهذه ستكون محل نقاش في المؤتمر مما يؤدي إلى زيادة التعاون وتبادل البيانات بين الخبراء والمؤسسات الطبية في جميع أنحاء العالم، وهذا يساعد في الفهم الأفضل للتحديات. وحرص القيادات في المملكة على تطوير البرنامج في السنوات الماضية أدى إلى النجاح في توطين الكوادر الطبية السعودية، فالآن تطورت خبرات الجراحين السعوديين، وكذلك معارف ومهارات الفرق الطبية، وهذا ينعكس على تطور الخدمات الصحية في المملكة، وهذا النجاح للبرنامج يتطلب حرصنا على ثبات القناعة بأهميته وبضرورة استمراره ودعمه. وهناك مكاسب وطنية أخرى للبرنامج بالذات في مجال (الدبلوماسية الناعمة). البرنامج عزز دور المملكة في المجال الإنساني، وساهم في زيادة معرفة العالم لبلادنا، وهذا لمسناه في السنوات الماضية، فبلادنا كسبت مشاعر شعوب (26) دولة قدم منها التوائم. وما يجعله مساراً فعالاً وإيجابيا يعود لأبعاد نفسية وإنسانية. فالاهتمام العالمي بفصل التوائم هو امتداد للاهتمام والإثارة الاجتماعية والعلمية التي تصاحب ظاهرة التوائم الملتصقة. هذه عادة تستدعي المشاعر الإنسانية لارتباطها بالطفولة، وأبرز الأمور التي تشد العالم هي القضايا المتعلقة بهذه الشريحة، فهذه تصبح في مقدمة نشرات الأخبار حول العالم، ومنها بالطبع أخبار عمليات فصل التوائم تصبح حدثا عالميا، فالناس تتعاطف مع الحالة الإنسانية وتتطلع إلى نجاح عملية الفصل. بقي أن نتطلع إلى اهتمام وحرص زملائنا في الإعلام السعودي لإبراز أهمية هذا المؤتمر، خصوصاً إبراز أهمية البرنامج السعودي. بين يديهم فرصة تاريخيّة وهي الاستفادة من تواجد الأطفال الذين تم فصلهم في المملكة. هذه تقدم فرصة للخروج بقصص صحفية عديدة وشيقة، وفرصة للفت النظر لدور السعودية في تغيير حياتهم وحياة أسرهم، هل يستثمرها الإعلام السعودي، نتمنى ذلك.