بغض النظر عن التسمية التي يُمكن أن تُطلق على ما حصل في مخيم عين الحلوة، "عاصمة الشتات الفلسطيني"، فإن نتائج تلك الاشتباكات العنيفة والقاسية ربما تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات البينيّة الفلسطينية – الفلسطينية، والفلسطينية – اللبنانية. فما حصل فعلًا هو ليس توجيه الفصائل الفلسطينية ـ وإن بأشكال وأحجام وطرق مختلفة وبأوقات محددة - رسالة للعابثين بأمن المخيم، وإنّما توجيه ضربة لها لم تكن قاضية، ولم يُرد البعض أن تكون قاضية لأسباب عديدة لها علاقة بالحضور وتوازن القوى في المخيم. ولهذا كان ما حصل هو نموذج مصغر لمخيمي "نهر البارد"، و"اليرموك"، مع تدارك منع توسّع المعركة، أو خروجها كاملة عن السيطرة. الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات كانت عاملًا ضاغظًا باتجاه إيجاد حل "الممكن"، لأن القوة الفلسطينية المشتركة التي تشكل حركة "فتح" فيها 60%، لم تستطع عسكريًا، أن تحسم أمر المعركة خلال 6 أيام متواصلة على بقعة جغرافية صغيرة في "حي الطيرة" التي تحصّن فيه بلال بدر ومجموعته المسلحة بعد اعتدائهم على القوة الفلسطينية المشتركة ومقتل أحد أفراد القوة. ولعل ما صرّح به إمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود في حديثٍ صحافي حول "فشل حركة فتح بالحسم العسكري"، وأن "أحدًا لم يكن ضد الحل العسكري"، وأن "الاخوان في فتح أخذوا فرصتهم والوقت الكافي كما الغطاء اللازم إلا أنّهم فشلوا"، يشير إلى ما رافق ذلك من العمل على تظهير توافق فلسطيني لإيصال الأمور إلى ما وصلت إليه من حل لم يُرض أحدًا، لكنه بحسب صانعيه يحفظ المخيم من المزيد من القتل والتدمير بعد تفكيك جماعة بلال بدر وخروجه من مربعه في "حي الطيرة". فكلام الشيخ ماهر حمود السالف الذكر، عبّر عن حالة الاستياء الشديدة، لمرور المهلة الطويلة التي أُعطيت للحسم العسكري الذي لم يتم، بالإضافة إلى حصول حالة من الشلل لحقت بمدينة صيدا وجوار المخيم، والمخاطر الأمنية التي تهددت "الأوتستراد" الواصل بين صيدا والجنوب اللبناني، إضافة إلى ما طُرح احتمالات لما يُمكن أن يستجد في حال استمرت الاشتباكات وتوسّعت، أو تصاعدت حدتها إلى ما ليس بالحسبان. ويُمكن قراءة مؤشرات القلق من تطورات الأوضاع من خلال الجولة التفقدية التي قام بها قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون للوحدات العسكرية المنتشرة في مدينة صيدا ومحيط مخيم عين الحلوة، والتي دعا خلالها إلى "حماية المواطنين ومنع تسلّل الخارجين على القانون"، وتأكيده في تصريح صحافي أورده موقع "النشرة" أنّ "الجيش سيردّ بحزم على أيّ استهداف يطال المراكز العسكرية أو التجمعات السكنية المحيطة بالمخيم، وأيّ محاولة لنقل الاشتباكات إلى خارجه"، لافتاً إلى أنّه "من غير المقبول استمرار الاقتتال العبثي الذي تفتعله بين الحين والآخر عناصر إرهابية ومتطرفة، كونه يعرّض سلامة الفلسطينيين وأهالي الأماكن المجاورة للمخيم للخطر المباشر، وينعكس سلباً على الحياة الاقتصادية والمعيشية لمنطقة صيدا". ما تقدم يعكس التنسيق الذي تم بين قيادة الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية وبين قيادة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية لإنهاء حالة بلال بدر ومجموعته، ورأت الفصائل في هذا الدور الإيجابي "دعامة أمنية وسياسية وتعزيز العلاقات اللبنانية الفلسطينية والانتصار لأمن المخيم." ولم تكن "المعركة مع بدر" تقتصر على "حي الطيرة" في المخيم، بل كان لها أصداء لدى سفراء "المجموعة الدولية لدعم الاستقرار السياسي والأمني في لبنان" (الأميركية والروسي والبريطاني والفرنسي والصيني والألماني والإيطالي ومنسقة الأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ)، الذين اهتموا بالقتال الدائر في عين الحلوة وكلفوا الملحقين العسكريين في السفارات التابعة لهم "إعداد تقارير عما يجري لا سيما أن بلال بدر متهم بانتمائه إلى تنظيمات إرهابية مع آخرين يأويهم المخيم". كما تابع مكتب "الأونروا" في لبنان، بحسب ما أورد أحد الصحافيين في صحيفة الأوريان لوجور، عن قرب سير الاشتباكات ومدى تأثيرها على سكان المخيم المدنيين وكانوا يطلعون المقر الرئيسي في نيويورك تباعًا على الصدامات وما ينتج عنها من سقوط ضحايا بين قتيل وجريح بفعل المواجهات الشرسة التي التهبت بين الفريقين واستعملت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية. حركة "فتح" التي خاضت اشتباكات عديدة سابقًا مع حالة بدر ـ لم تكن بالحدة نفسها ـ وأحياناً خاضت معه صراعات لها طابع أمني، ترى حسب تصريحات مسؤوليها أنها شاركت في المعركة تنفيذًا لقرار وتوجيهات القيادة السياسية الفلسطينية المشتركة، وأنها بالتالي تحمي القوة الفلسطينية المشتركة ودورها في أمن واستقرار المخيم. ويبدو أن "فتح" انصاعت لقرار جماعي من الفصائل، بعد المدة الطويلة والمهل العديدة من أجل الحسم العسكري الذي لم يتم لأسباب عديدة، بالاتجاه نحو "تفكيك حالة بلال بدر وإنهائها بشكل كامل، لأنها أصبحت تشكل خطراً على الأمن الاجتماعي الفلسطيني"، و"انتشار القوة المشتركة في حي الطيرة وتموضعها في المواقع التي تجدها مناسبة لحفظ الأمن وضبط الوضع الداخلي ومطاردة بلال بدر ومجموعته.. باعتباره مطلوبًا ومن معه لأنه أرتكب جريمة بحق الكل الفلسطيني". واللافت هو الحرص الشديد الذي أبدته القوى والفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية على استمرار التوافق الفلسطيني في مواجهة بلال بدر ومجموعته المسلحة، وإنهاء تلك الظاهرة وفق الاتفاق الذي أعلنت عنه قيادة الفصائل الفلسطينية في صيدا، ولعب الشيخ ماهر حمود وحركتا الجهاد الإسلامي، وحماس، وعصبة الأنصار، والحركة الإسلامية المجاهدة التي يترأسها الشيخ جمال خطاب، وآخرون.. أدوارًا في إتمام نجاحه على المستويات اللبنانية والفلسطينية. في كل الأحوال، لعبت القيادة الفلسطينية دورًا موحدًا لمنع انفجار الوضع بشكل لا يمكن السيطرة عليه وأخذ المخيم إلى مصير مجهول، وفككت حالة مسلحة تؤرق المخيم والجوار، ولكن ما نتج عن الاشتباكات العنيفة بحاجة إلى المعالجة والترميم وتعويض الأهالي عن خسائرهم وممتلكاتهم وتضميد جراحاتهم. هيثم محمد أبو الغزلان