قبل سقوط النظام السوري، نظام الجريمة المنظمة، كان من النادر أن ترى أي نوع من أنواع الفاكهة الاستوائية يباع في أسواق الخضار والفاكهة أو المحلات التجارية، حتى الفاخرة منها. تلك الفاكهة التي عرف شكلها ولونها معظم الشعب السوري عبر الصور فقط، وقد يكون الحظ حالف بعضهم وعرف مذاقها بتناولها معلبة، أو من خلال العصائر، كعصير الأناناس أو المانغا أو الجوافة. أذكر جيدًا قبل أسبوع من فرار بشار الأسد، رأس صناعة الكبتاغون على وجه البسيطة، خارج البلاد محملا بأطنان من العملة الصعبة وسبائك الذهب التي سرقها من أبناء جلدته في سوريا، أذكر أني شاهدت ثمرة أناناس صغيرة في محل للخضار والفاكهة في وسط مدينة درعا، فتجرأت وسألته عن ثمنها، فأجابني بلسان كليل أن ثمنها مئة ألف ليرة سورية، أي ما يعادل ربع راتب الموظف الحكومي في سوريا. واللافت أنه بعد يومين فقط على هروب الأسد، انتشرت الفواكه الاستوائية في كل الأسواق والمحلات، وأضحت تباع في الشوارع وعلى البسطات، وبسعر معقول يستطيع رب أي عائلة متوسطة الدخل ابتياعها. فثمن ثمرة الأناناس يتراوح بين 15 و25 ألف ليرة سورية، وثمن الكيلوغرام الواحد من المانغا المصرية 25 ألف ليرة سورية بعدما كان يتراوح بين 75 و100 ألف ليرة سورية في عهد النظام البائد. أما الموز فقد هبط سعره بشكل كبير ليصل إلى 10 آلاف ليرة سورية فقط، بعدما كان يصل سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى 70 ألف ليرة سورية. لا أبالغ إن قلت إن الغالبية العظمى من الشعب السوري تناولت الفواكه الاستوائية لأول مرة بعد سقوط النظام. منهم من كان طفلا ومنهم من كان شابا في العشرين من عمره بعمر وراثة بشار للسلطة ومنهم من كان في الخمسين من عمره بعمر اغتصاب حافظ للحكم فالفواكه الاستوائية اليوم في سوريا، كما يقول الباعة، قد “تبهدلت” بعدما كانت “عزيزة” بل ومستحيلة في حقبة الأسد. وأصبحت الأمهات يتندرن على هذه الفاكهة لبخس ثمنها، فتقول إحداهن للأخرى “ما أعددت للغداء؟” فتجيب الأخرى “مفرّكة موز”، على غرار الطبخات الشعبية “مفرّكة بطاطا” أو “مفرّكة بندورة”. وأكثر ما لفت انتباهي مؤخرا، وجود هذه الفاكهة التي كانت بمثابة حلم بعيد المنال لي ولأترابي وللأجيال السابقة واللاحقة لجيلي على البسطات وفي كل المحلات. فلم تعد نادرة أو فريدة ولم يعد الحصول عليها بالعملية المستحيلة، ليس فقط لقلة وجودها في الأسواق بل ولارتفاع سعرها بشكل كبير سابقا. حقيقة، لا يوجد أي تفسير لارتفاع ثمن الفواكه الاستوائية وندرتها في حقبة الأسد الأب والابن سوى إذلال الشعب السوري وامتهانه. هذا الاحتقار للشعب السوري العظيم من قبل النظام السابق وصل إلى أعلى مستوياته في سنوات الثورة السورية المجيدة. العلاقة بين الطغمة التي حكمت دمشق وبين الشعب السوري لم تكن يوما ما علاقة سوية، فهي علاقة عداوة ظاهرة، عوضا عن أن تكون علاقة مميزة كباقي حكومات العالم وشعوبها والتي يصفها البعض كعلاقة الأب أو الأم مع فلذات أكبادهما. وأعتقد أن أول الثمار التي قطفها الشعب السوري بعد سقوط نظام الأسد هي ثمار الفواكه الاستوائية. فقد أصبح أمرا عاديا أو طبيعيا أن ترى طفلا يأكل قطعة أناناس أو يحمل رب الأسرة بين الأكياس قطف موز. وأصبح مذاق هذه الفواكه الجميلة معروفا لدى الجميع بعدما كان مجهولا ومتخيلا وأكبر وأبعد الأمنيات لعقود زمنية سابقة. لا أبالغ إن قلت إن الغالبية العظمى من الشعب السوري الباسل تناولت الفواكه الاستوائية لأول مرة بعد سقوط النظام وأنا كذلك. منهم من كان طفلا ومنهم من كان شابا في العشرين من عمره بعمر وراثة بشار للسلطة ومنهم من كان في الخمسين من عمره بعمر اغتصاب حافظ للحكم ومنهم من كان في الستين من عمره بعمر انقلاب البعث.