أنا رجل مغرم بقراءة كتب السِّيَر الذاتية وكتب التراجم الخاصة أو العامة، ومن يقرأ أخبار الرجال ونجاحاتهم وانكساراتهم يجد الكثير من الفائدة والمتعة والسلوة والعبرة، ومن يفتّش عن الكتب التي تترجم للنبلاء وأصحاب الشأن والعلماء يقف على تراث زاخر منها، وهي متنوّعة بتنوّع الفنون، ومن أقدمها في تراثنا كتب السيرة وكتب الرجال أو الطبقات، ومن أقدم ما صُنّف في السيرة والمغازي: «السيرة والمغازي» لابن إسحاق وتهذيبها لابن هشام المعافري، و»المغازي» للواقدي، ومن أقدم ما صُنّف في الرجال: «الطبقات» لخليفة بن خيّاط و»الطبقات الكبرى» لابن سعد، وينبغي لهذه الأربعة أن تكون في مكتبة طالب العلم، فهي من الأصول في تراثنا الإسلامي. وأتذكّر أنني اقتنيت «الطبقات الكبرى» لابن سعد وأنا طالب في كلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز، (في عام 1406هـ)، وفي ذلك الحين كلفني عميد الكلية المتخصّص في التاريخ الدكتور حمد العرينان بجمع مرويات عوانة بن الحكم الكلبي من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ومن تاريخ ابن كثير، فلما فرغت من مهمّتي أهداني نسخة من المغازي للواقدي ونسخة من البداية والنهاية لابن كثير ونسخة من فتوح البلدان، ولم تزل هذه النسخ في مكتبتي إلى اليوم، وعليها إهداء الدكتور حمد، أطال الله في عمره. ومن كتب التراجم ما صُنّف في علماء اللغة والنحو والأدب، ومن أبرزها «مراتب النحويين» لأبي الطيّب اللغوي، و»أخبار النحويين البصريين» لأبي سعيد السيرافي، و»طبقات النحويين واللغويين» لأبي بكر الزُّبيدي، و»نزهة الألباء في طبقات الأدباء» لأبي البركات الأنباري، و»إنباه الرواة على أنباه النحاة» للقفطي، و»بغية الوعاة» للسيوطي، وهذه كلها من مقتنياتي وأنا طالب في الجامعة، وكنت شغوفًا بجمعها من مكتبات جدة ومكة. ومن أجود كتب التراجم القديمة ومن أوسعها: «معجم الأدباء» (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) لياقوت الحموي، و»وفيات الأعيان» للقاضي الأديب ابن خَلِّكان، و»سير أعلام النبلاء» للذهبي، و»الوافي بالوفيات» للصفدي، و»نفح الطيب» للمقّري، وكان يغرينا بقراءته وقراءة «الذخيرة» لابن بسام أستاذُنا الدكتور عبدالله المعطاني، رحمه الله. ومن كتب التراجم في زماننا «الأعلام» لخير الدين الزِّرِكْلي، (من وزراء الملك عبدالعزيز) ويعدّ معجمه هذا تاج كتب التراجم قاطبة، ومن أنفعها، ومن أكثرها انضباطاً في المنهج، وله ذيول وتتمات فيها من التراجم أكثر مما فيه، مع أنها لا تترجم إلا لمن جاؤوا بعد وفاة الزركلي، أي بعد عام 1396هـ / 1976م إلى اليوم. وأما كتب السير الذاتية، فأكثر من كتب التراجم في زماننا خاصّة، وكثير ممن جاوز الستين من أصحاب الشأن والأثر كتب شيئًا من سيرته أو حدّث نفسه بالكتابة على الأقل، ومما قرأته من سير المعاصرين: «سوانح الذكريات» لحمد الجاسر، فعرفت طرفًا من سيرة هذا العالم المدقق المحقق الفريد في زماننا، وقرأت «ذكريات» علي الطنطاوي، وهي ذكريات موسوعية جاحظية ماتعة، في ثمانية مجلدات. وقرأت «سقيفة الصفا» وهي سيرة روائية صغيرة للكاتب السعودي حمزة بوقري، فتركت في نفسي أثرًا، لأنّي قرأتها في وقت مبكّر من حياتي، ثم فقدت نسختي، وإلى اليوم أطلب هذه السيرة ولم أجدها. وقرأت «حياتي مع الجوع والحبّ والحرب» للكاتب السعودي عزيز ضياء، وهي سيرة لطيفة جديرة بالقراءة، تحكي طرفًا من تاريخ المدينة المنورة. وقرأت «رحلة الثلاثين عامًا» لزاهر بن عوّاض الألمعي، وهي تحكي سيرة رجل عصاميّ نادر، وقرأت الكثير من السير السعودشية والعربية والعالمية، ومن أواخر ما قرأت: سيرة حمزة بن قبلان المزيني الحربي «واستقرّ بها النوى»، وفيها طرف من تاريخ التعليم في المدينة المنورة قبل سبعين سنة. ومما قرأته: «غربة الراعي» لإحسان عباس، وهي سيرة باردة، وقرأت «غُبار السنين» لعمر فرّوخ، وهي باردة أيضًا، ولم تعجبني، وقرأت «ذاكرة الجسد» للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، ولا أدري كيف أصفها! وقرأت «بيضة النعامة» لرؤوف مسعد، وهي سيرة متفسّخة، تشبه «الخبز الحافي» و»الشطّار» للروائي المغربي المتفسّخ محمد شكري. وأنا لا أرى بأسًا في قراءة الأدب المتفسّخ، فهي مرآة لحياة رجال صار لهم شأن في عالم الأدب، ونحن لا نعيش في مجتمع ملائكي. وقرأت «حدائق الملك» لفاطمة أوفقير، وهي زوجة الجنرال المغربي محمد أوفقير، وأمّ الكاتبة مليكة أوفقير التي كتبت «السجينة»، وهما (أي حدائق الملك والسجينة) من أدب المعاناة، وفيهما شيء من تاريخ المغرب، وأجود منهما «تازممارت» لمحمد المرزوقي، وهي من روائع أدب السجون، وقريب منها «تذكرة ذهاب وعودة إلى الجحيم» لمحمد الرايس. وأنا لا أخفي إعجابي بكتابات الروائيين المغاربة، فهم قادرون على السرد الماتع على الرغم من بؤس الأحداث التي يعرضونها. وأما «تلك العَتَمة الباهرة» للمغربي الطاهر بن جلّون، فقرأت صفحات منها ولم أستطع إكمالها، وهي تتحدّث عن معتقل تازممارت، والفرق بينها وبين رواية محمد المرزوقي كالفرق بين السماء والأرض.