كل الدول وكذلك القوميات تحاول أن تبرز نفسها وللعالم وهو أمر معتاد. فمما نسمع بين فترة وأخرى أن تلك القومية اكتشفت الكتابة أو ذاك الاختراع من إنجاز تاريخي ساد العالم. وبالطبع كله تكهن وليس مستندا إلى شيء علمي ومثبت سوى ما يتداول عبر وسائل الإعلام. إلا أننا ومنذ البدء بكتابة التاريخ للعرب نعرف أننا مهد الحضارات، بالرغم من الصروح الضخمة القديمة بالجوار سواء في بلاد الهلال الخصيب أو في مصر الفرعونية. وقد أشير للعرب كقومية بالكتابة لما اكتشف نحو ألف قبل الميلاد، على أنهم سكان غرب بلاد الرافدين، ومنها أتت الكلمة لتصفنا أو تلك الأخرى من سكان الكهوف من الأنباط. ومنذ انطلاقة رحلة الكشف الأثري عن المواقع بإثبات ما نعرف عن الحضارة العربية بدأنا بالتأصيل لنقول للعالم هذه شواهدنا. ومما ذكرته من تصريحات وزارة الثقافة في الأعوام الأخيرة بالاستعانة بفرق علمية متخصصة الكثير والكثير من الاكتشافات، والتي تضيف إلى الثقافة العالمية وتؤصل منطقتنا ومن مساهمتها للبشرية. ومما اكتشف وأصل علميا هو استعمال الخيل من قبل العرب وتهجينها. وتاريخ العرب مليء باستخدامات للخيل بالحرب، سواء في المعارك بسبأ أو من استخدام الهكسوس لها وهم في ترجمة الكلمة «الغرباء» قدموا لمصر من منطقتنا العربية. أو من كذلك ما وظف في الشعر وقبل الإسلام كقول الشاعر «مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من علِ» وهي من طرق وأساليب القتال عند العرب. وقد أظهر العديد من المواقع الأثرية كما في موقع المقر الأثري القريب من محافظة وادي الدواسر شواهد لحضارة إنسانية متقدمة جداً من فترة العصر الحجري الحديث شهدتها هذه المنطقة قبل تسعة آلاف سنة، وأبرزت دلائل لأول استئناس للخيل في التاريخ والذي عاد إلى 9000 سنة قبل الوقت الحاضر. وقد كان سابقا قبل هذا الكشف يظن أنه جاء لأول مرة في أواسط آسيا «كازاخستان» منذ 5500 سنة قبل الوقت الحاضر. ويعد هذا الاكتشاف مهماً جدًا وعلى المستوى العالمي ولأنه أعاد رسم التاريخ. ومن المكتشفات التي أعلن عنها بخصوص الاستيطان البشري موقع عين الضلع الذي يقع في الجهة الغربية من واحة الخرج، وقد تم العثور فيه على آثار سكنى بشري قدر عمرها بنحو 5000 عام. وأيضا مما كشف عنه في منطقة الخرج مواقع تعود للعصر الحجري القديم، يعود تاريخها إلى نحو مائة ألف عام. كما عثر في نفس المحافظة على مواقع أثرية من فترة العصر الحجري والتي يعود تاريخها لأكثر من مائة ألف عام بالإضافة. ولا يقتصر الموضوع بالخرج بل يمتد ليشمل العديد من مناطق المملكة، ففي محافظة الغاط على سبيل المثال تم اكتشاف أدوات حجرية تعود إلى العصر الحجري «الموستيري» والتي تؤرخ بنحو 120.000 سنة مضت. إضافة إلى ذلك ما اكتشف من دوائر وركامات ومذيلات حجرية تعود إلى الألف الثالث والأول قبل الميلاد بمواقع كثيرة ومتعددة. ومما عثر عليه بغرب المملكة بكهف أم جراسان آلاف العظام الحيوانية من 40 نوعا مختلفا، تشمل الخيول والحمير والإبل والماعز والغزلان وجماجم بشرية تعود إلى 5000 عام قبل الميلاد، ويبين هذا الاكتشاف عمق التواجد البشري التاريخي في المنطقة. وفي الختام نأتي لنقول إن تلك الاكتشافات من قبل وزارة الثقافة الممثلة بهيئة التراث تأتي لتؤكد لنا ما نتداوله من أصالة المنطقة ومن تاريخنا القديم. كما تأتي أيضا كشواهد مما يكتشف ويؤصل علميا لتضيف للإنسانية وتبرز جانبا مهما من التاريخ الذي بدأ من هنا.