في الصحراء، الندوبُ أوسمة. والقبورُ نقوشُ التلال. سهمُ الشجاعةِ مثلَهُ قوسُ الحذر، يجذبانِ الفريسةَ إلى حتفِها. في كلِّ صحراءَ تهيمُ بئرٌ طوتْها صرخةٌ مكتومة، بئرٌ ضائعةٌ لشجرةٍ قُلِعتْ من جذورِها، نَزْعُها حفَرَ الفضاء، بصدًى يلحقُ الغريمَ ويقصُّ أثرَه. تذبلُ أغصاني المصابةُ وهي تذودُ عن وجهي مخالبَ الشمس، وقبالةَ نارِ النومِ، تغفو عينُ ذئبٍ، وسرعانَ ما تفِزُّ وتموِّهُ الرماد. يدُكَ ترجف، كأنّ سبّابتَكَ على الزِّناد، بينما تجسُّ اسمي منحوتا بصوتٍ واحد، لنساءٍ متلفعاتٍ بالفجيعة. تحكُّ وشْمَ الحديدِ في زَندِكَ، وتدركُ الإشاراتِ قبلَ خمودِها. بذرةٌ سقطَتْ سهوا من القافلة، وحيدةً تسلّقَتْ العراء الشوكُ أمُّها وأبوها، بأوراقٍ هشّةٍ بساقٍ ملويّةٍ وأعشاشٍ أفزعَها البارود. استعنتُ برقصةِ السراب وداريتُ «شبّةَ النار»، لم أعدْ نادما حينَ رأيتُكَ تعبُرُ الليلَ هَوْناً، وتقتفي حُدائي، كم دفنتُ رأسي في صدرِ الريح، وأفرغتُها من الأذى، كم أحطتُ خيالاتِك بذراعَيَّ ولملمتُ سعالَكَ، وقتَ يشُحُّ الغناء. أطفأتُ العطش وناولتُكَ مظلَّتي. في الرمالِ، يستوي المطارِدُ بالطريد، تتفتّحُ زهرةُ الثأر، تومِئُ عابسةً تجاهَ النسيان، زهرةُ الثأرِ «لا تتعفنُ ولا تسوِّس»، حاسرةَ الرأسِ، أربعين سنةً تطلُبُ كأسَها من الدم. نتبادلُ الشكَّ بالنظرِ، والتوجُّسَ بالإشارة. ليس لنا غيرُ ظلِّيْنِ يلتقيان، يفضحُهما الغدرُ خلفَ اللِّثام. تنفخُ الريحُ غارَ الليل، تندلقُ القهوةُ من يدي، تهوي النارُ على وجهِها في الصرخة، وعلى رمحِ الشمسِ تحومُ النسور. 28 يونيو 2020