رأى رئيس مؤسسات المرجع المرحوم السيد محمد حسين فضل الله في لبنان العلامة السيد علي فضل الله أن ما يجري في لبنان يمكن وصفه بالانتفاضة التي قد تصل إلى حد الثورة في حال تفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية، محملاً مسؤولية ما آلت إليه الأمور، بشكل أساسي، إلى السياسيين الذين أداروا البلد منذ التسعينيات، وبنسبة أقل إلى الناس الذين أوصلوهم إلى مناصبهم. فضل الله، نجل المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله الذي اشتهر بتمايزه الفكري والعملي عن المراجع الشيعية في المنطقة، اعتبر في حوار مع «الراي»، أن حادث مقتل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني لم يكن ليمر مرور الكرام، وأن أميركا وإيران لا تريدان الدخول في حرب وإنما يسعى كل منهما لتقليص نفوذ الآخر، مشيراً إلى أنه «ربما يحمل المستقبل تسويات لا أحد يعلمها».وإذ لفت إلى الجدل الفكري - السياسي في شأن دور إيران في المنطقة، استبعد فضل الله سعيها لـ«تصدير الثورة بمعنى التصدير»، معتبراً أنها «تملك فكراً معيناً وقناعات معينة تسعى لإيصالها إلى بعض دول العالم، والفكر ربما يُقبل به أو لا يُقبل».وعزا «توسع الدور الإيراني» في المنطقة إلى «غياب الدور العربي»، مؤكداً ضرورة أن يتعاون الجميع لمواجهة أطماع إسرائيل، خصوصاً أن القضية الفلسطينية لا يختلف عليها أحد.ورأى أن «ولاية الفقيه» هي إحدى النظريات الفقهية في المذهب الشيعي، وأن «شرعيتها خارج إيران تخضع لكثير من الجدل»، إلا أنها في الوقت نفسه «حققت لإيران في الداخل الكثير من الإيجابيات». ولفت إلى أنه «قد يقال إن هذه النظرية على مقاس الإمام الخميني والسيد الخامنئي بسبب الكاريزما التي يتمتع بها كل منهما، لذا قد تصطدم النظرية مستقبلاً بمدى تناسب الشخصية المرشحة لهذا المنصب مع المنصب نفسه وصلاحياته».وتطرق الحوار إلى الأوضاع في العراق، مؤكداً أن المرجعية الدينية ممثلة بالسيد علي السيستاني لديها «نفوذ معنوي كبير جداً، وقد تتحول إلى صمام أمان فعلي إذا توافرت لها المؤسسة والخبراء وآليات التواصل الفعلية في المناطق والمحافظات». وفي ما يلي نص الحوار: • هل تعتبرون أن ما يجري في لبنان منذ 17 أكتوبر ثورة شعبية ضد السلطة أم انتفاضة جياع؟- لا شك أن هناك حراكاً شعبياً لكنه لم يصل إلى حد الثورة بمعنى الثورة التي تحتاج إلى مقومات أكثر مما توافر، لكن إذا استمر تفاقم الوضع يمكن أن نصل إلى الثورة، في الحقيقة شعرنا خلال الأيام الأخيرة أن هناك بدايات مرحلة جديدة من العنف دخلت فيها الساحة اللبنانية نتيجة تولد شعور لدى الفئات الموجودة على الأرض في ظل سوء تفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية بسبب أسلوب المحاصصة الذي تدار به العملية السياسية، وفي ظل هذه الأوضاع يخشى أن تتطور الأمور وتصل إلى حد الثورة، ولكن حتى الآن ما زالت الأمور في مرحلة الحراك أو الانتفاضة.أعتقد أن الحراك أعم من مفهوم الجياع، فالحراك يرغب في تغيير واقع سياسي ــ اقتصادي أدى إلى ما أدى إليه، وأطرافه يتنوعون في مواقعهم الاجتماعية، حيث تجد أناساً ميسوري الحال لكنهم ينتفضون على واقع سياسي يشعرون أنه لم يعد يمثل طموحاً لهم أو لأولادهم.• التقارير الاقتصادية تجمع على أن لبنان دخل مرحلة الانهيار واقترب من الإفلاس، أمام هذا الواقع من يتحمل مسؤولية وصول الأمور إلى ما وصلت إليه وماهي أفق الحلول؟- نحمل المسؤولية إلى المسؤولين السياسيين الذين أداروا البلد منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي إلى الآن، وأوصلوه إلى ما وصل إليه، بالتأكيد هو ليس نتاج أزمة معينة وإنما نتيجة تراكم أزمات كان يعاني منها البلد في ظل عدم وجود من كان يسعى لإيجاد الحلول التي تساهم في إخراج البلد من تلك الأزمات، لكن كبرى المشكلات تمثلت في هذا التنافس والتصارع على تقاسم المصالح والحصص، كذلك نحمل الناس جزءاً من المسؤولية لأن الذين نحملهم المسؤولية حالياً لم يأتوا من الخارج بل من داخل الواقع السياسي الموجود والناس أعطتهم القيادة حتى وصلوا إلى مواقعهم، لذا نقول إن الناس يتحملون جزءاً من المسؤولية. يبقى السؤال كم النسبة التي يتحملونها؟ ولكن في النهاية لا يمكننا أن نوازي بين مسؤولية من ساهموا في هذا الواقع وبين مسؤولية الناس، كذلك لا يمكننا إعفاء الخارج من المسؤوليات، والذي يسعى كل من أطرافه إلى أن يكون له موضع قدم، خصوصاً تلك الأطراف التي تسعى إلى ابتزاز لبنان في ما يخص ثرواته النفطية وحدوده البرية والبحرية مع إسرائيل.• يبدو أن ما يجري في بيروت من أعمال عنف يُعبّر عن وصول الانتفاضة إلى نقطة اللاعودة، في حين أن السلطة تستخدم القوة المفرطة ضد المتظاهرين، إلى أين باعتقادكم ستذهب الأمور، وهل الحل بإجراء انتخابات نيابية مبكرة كما يطرح كثيرون؟- ما تم ملاحظته خلال الفترة الماضية، أن هناك ضغطاً من قبل المتظاهرين يقابله ردة فعل من السلطة، كان هناك ضغط متبادل، ربما شعر من شاركوا في الحراك أنه لابد من استخدام العنف حتى يتم إرغام الدولة على تحمل مسؤولياتها، ومن المؤكد أن القوى الأمنية ردّت على هذا العنف، نحن نأمل من القوى الأمنية أن تكون أكثر حكمة وألا تستفز الشارع بشكل أكبر حتى لا يحدث انفلات في الأمور عن الإطار الموجود حالياً.• ما هو تقييمكم للأحداث الأخيرة وتداعياتها بعد مقتل قاسم سليماني ورد إيران بضرب قاعدة أميركية في العراق؟- مقتل قاسم سليماني لم يكن حدثاً عادياً حتى يمر مرور الكرام، وبالفعل قامت إيران بالرد على هذا الأمر، لكن نحن دائماً كنا نؤكد على أن هناك سقفاً للأحداث، فإيران لا تريد أن تدخل في حرب توسع عليها الدائرة، وكذلك الوضع بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية لا تريد أن تدخل في حرب، الآن كل طرف يسعى إلى التفكير في المستقبل وكيف يعزز موقعه أكثر ويستفيد مما حصل من خلال موقفه الراهن، أميركا تريد أن تستفيد مما حصل من أجل إضعاف نفوذ إيران في المنطقة، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران تريد أن تستفيد من الأمر لإضعاف النفوذ الأميركي في المنطقة، وفي النهاية لا أتصور أن تدخل المنطقة في إطار حرب.• هل أقنع النظام الإيراني الداخل الإيراني برده على مقتل سليماني؟- لم نرَ تعليقات سلبية حتى الآن من الداخل الإيراني، الداخل ربما كان ينتظر أكثر من ذلك لكنه في النهاية اقتنع بالرد واعتبر أنه يكفي إيران أنها استطاعت ضرب قاعدة أميركية في الوقت الذي لم يسبق أن قام أحد بمثل هذا الرد على الولايات المتحدة، والشعب الإيراني أيضاً بطبيعة الحال لا يريد أن يدخل في حرب في ظل الظروف التي يعيشها.• هل تتوقع أن تقوم جماعات خارجية تابعة لإيران بتوجيه ضربات لاحقة في مواقع مختلفة؟- لا أتصور أن الأمور تسير في هذا الاتجاه، لأن الكل مرهق في هذه المنطقة، من الذي سيبدأ الحرب؟ أميركا تعمل على النفس الطويل وكذلك إيران، الحديث الآن يجري عن المستقبل ماذا يحمل؟ ربما يحمل المستقبل تسويات لا أحد يعلمها.• هل تخشون أن يدفع العراق ثمن الصراع الإيراني - الأميركي؟- المرجعية الدينية في العراق حريصة على ألا يكون العراق ساحة حرب، ولا أتصور أن أحداً يريد أن تسوء علاقته بالعراق، الكل يسعى لتحسين موقعه في هذه المرحلة.• كيف تقيمّون سياسات إيران في المنطقة، خاصة أن البعض يتهمها بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول من خلال قوى سياسية ومجموعات مسلحة تابعة لها، سواء في لبنان أو سورية أو العراق أو اليمن؟- إيران مثلها مثل أي دولة تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، ويرمي مشروعها الداعي إلى تحرير القدس إلى دعم مواقع المقاومة في بعض دول المنطقة، وبالتأكيد ثمة جدل فكري - سياسي في شأن هذا الدور وحدوده ما بين من يرى مشروعيته لأن هدفه مواجهة العدو الصهيوني، وما بين من يرى ضرورة مواجهته باعتباره قوة هيمنة وسيطرة.• هل تعتقدون أن إيران ما زالت مصرة على فكرة «تصدير الثورة» الذي دعا إليها الراحل الخميني، أم أن الأمور تغيّرت على مدى العقود الثلاث الماضية؟- لا أتصور أن هناك تصديراً للثورة بمعنى التصدير، إيران تملك فكراً معيناً وقناعات معينة تسعى لإيصالها إلى بعض دول العالم، والفكر ربما يقبل به أو لا يقبل... إيران تطرح أفكاراً على مستوى رؤيتها لمستقبل المنطقة التي تحدد طريقة التعامل مع قضاياها، فمنذ انطلاق الثورة الإيرانية ومنذ طرح الإمام الراحل الخميني قضايا القدس والمستضعفين والوحدة الإسلامية، لاقت هذه العناوين في دول العالم ردود فعل متناقضة، مؤيدة في مواقع، ومعارضة في مواقع أخرى لاعتقاد البعض أن إيران تطلق هذه العناوين لأغراض مذهبية أو سياسية.• البعض يقول إن إيران تستخدم القضية الفلسطينية ذريعة لتوسيع نفوذها، مستفيدة في ذلك من التقاعس العربي عن دعم حركات المقاومة الفلسطينية، هل ترون أن هذا الرأي صحيح؟- إيران انطلقت من حرصها على الموضوع الفلسطيني ووجدت أرضية مناسبة لها بعد أن تخلت أكثر دول العالم عن القضية الفلسطينية لحساب إسرائيل التي شرعنت سيطرتها على القدس والجولان، والتي يبدو أن ليس لأطماعها حدود، وفي تقديري أن توسع الدور الإيراني ناجم عن غياب الدور العربي والذي يتحمل مسؤولية ملء الفراغ القائم. ونحن نرى أنه لا بد من الابتعاد عن أسلوب الاتهامات المتبادلة، وبصرف النظر عن صحة بعضها وخطأ البعض الآخر، نحن نتمنى أن يتعاون الجميع لمواجهة أطماع إسرائيل، خصوصاً أن القضية الفلسطينية لا يختلف عليها أحد، وربما يكون الاختلاف الحاصل يتعلق بالآليات والوسائل في كيفية التعامل مع هذه القضية.• منذ ثلاثين أو أربعين سنة وحتى اليوم، ماذا أضافت نظرية «ولاية الفقيه» للشيعة في المنطقة؟- ولاية الفقيه من النظريات الفقهية، وفي المذهب الشيعي يوجد على المستوى الفقهي نظريات متعددة لإدارة الدولة، هناك أناس يتبنون نظرية الشورى وآخرون يتبنون نظرية ولاية الفقيه وجانب ثالث يتبنى نظرية ولاية الفقيه ضمن إطار الشورى، السؤال يبقى هل هي أضافت أم لا؟ من الواضح أن نظرية ولاية الفقيه، كما قلت، ليست النظرية الوحيدة للحكم، وقد تبناها الإمام الراحل السيد الخميني على أساس رؤيته الاجتهادية الفقهية، وجاء من بعده السيد علي الخامنئي، وسار على النهج نفسه.. بالتأكيد أن كل فقيه مجتهد يعتبر رؤيته هي الصواب، لكن في المسار الاجتهادي فإن كل نظرية قابلة للانتقاد في ضوء أدلة فقهية معينة، وهي تخضع للنقاش، وهنا ثمة من يشير إلى أنه إذا كان هناك من مشروعية لإبداء العديد من الملاحظات على كيفية تسييل هذه النظرية في شكل واقعي خارج إيران، وذلك في ظل الأوضاع الدولية الراهنة، فإنها حققت لإيران في الداخل الكثير من الإيجابيات وخصوصاً في ظل التناقضات الداخلية التي يعيشها هذا البلد فضلاً عن التحديات الخارجية، فهي حفظت مركزية القرار وولّدت حالة من الاستقرار الداخلي، بما ساهم في مقبوليتها رغم الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها.قد يقال إن هذه النظرية على مقاس الإمام الخميني والسيد الخامنئي بسبب الكاريزما التي يتمتع بها كل منهما، لذا قد تصطدم النظرية مستقبلاً بمدى تناسب الشخصية المرشحة لهذا المنصب مع المنصب نفسه وصلاحياته، ومهما يكن فإني أتصور أن نظرية الولي الفقيه، هي نظرية اجتهادية، وهي تتحرك ضمن إطار الجمهورية الإسلامية لأن شرعيتها انطلقت من الانتخابات الشعبية، بينما تخضع شرعيتها خارج إيران لكثير من الجدل. • هل يمكن القول إن المرجعية الدينية في العراق ممثلة بالسيد علي السيستاني هي صمام أمان لبلاد الرافدين، وإلى أي مدى يمكن تطبيق آرائها التي تنادي بها في ظل سطوة القوى السياسية والمجموعات المسلحة التي ترفض الانضواء تحت لواء الدولة؟- المواقف التي تتخذها المرجعية تراعي جميع التنوعات الموجودة، لكن الإشكالية هل الواقع السياسي يستجيب إلى المرجعية؟ تعقيدات الواقع السياسي أصبحت أكبر، بكل تأكيد هناك تأثير للمرجعية لكن المشكلة أحياناً تكون في الآليات التي يمكن أن تطلق قراراتها من خلالها.في الواقع النفوذ المعنوي للمرجعية كبير جداً، وقد تتحول إلى صمام أمان فعلي إذا توافرت للمرجعية المؤسسة والخبراء وآليات التواصل الفعلية في المناطق والمحافظات. جهودٌ مميزة للكويت في المنطقة وتعويلٌ على دور لها في لبنان أكد السيد علي فضل الله «إيجابية الدور المميز الذي تقوم به الكويت سواء في ما يخص علاقتها بلبنان أو على صعيد علاقتها بدول المنطقة»، مشيراً إلى أن «الكويت حريصة من خلال قياداتها ورموزها على إيجاد سبل التفاهم بين الأطراف التي دخلت في إطار الصراع أو النزاع الموجود حالياً في المنطقة سواء على المستوى الخليجي أو العربي أو على الصعيد الإسلامي، ونحن نتوقع دائماً أن يكون للكويت دور أساسي في هذا المجال رغم التعقيدات الحاصلة الكبيرة جداً التي يصعب إيجاد حلول لها في بعض الأحيان، لكن أعتقد أن الكويت تبذل كل جهدها في هذا الإطار، ونأمل أن يكون لها دورٌ في لبنان لحاجة هذا البلد إلى من يعمل على ردم الهوة بين مكوناته، وأنا هنا أؤكد أن الكويت لها موقع احترام الجميع ويمكن أن تقوم بهذا الدور، فنحن دائماً نشعر من خلال لقاءاتنا في الكويت والتي كان آخرها مع سمو الأمير بأن هناك محبة خاصة للبنان واهتماماً كويتياً بما يجري على ساحتها». وعن لقائه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الإثنين الماضي، قال فضل الله: «هناك تواصل دائم مع سمو الأمير بحكم العلاقة الخاصة التي تربطنا بسموه، ولقاؤنا كان فرصة مناسبة حتى نضع سموه في الأجواء التي تمر بها الساحة اللبنانية ولكي نستمع إلى وجهة نظره في شأن هذه الأحداث، وقد شعرنا خلال مقابلتنا بأن سمو الأمير يحمل الود لجميع اللبنانيين وأنه على استعداد لتقديم أي شيء إلى لبنان ولكنه ينتظر حتى يعرف مع من سيتعامل في الساحة اللبنانية». حرصٌ خليجي على التهدئة في المنطقة تطرق السيد فضل الله إلى دور دول الخليج في تهدئة التوتر بالمنطقة عقب مقتل قاسم سليماني، قائلاً «الخليج كان حريصاً على التهدئة، لأنه في حال نشوب حرب ستتأثر دوله نظراً لقرب موقعه من ساحة المعركة، فالدول الخليجية تريد أن تحافظ على استقرارها، لذا كان هناك استنفار خليجي وأعتقد أنه كان له دور في تهدئة الأمور، ولكن لا أعرف إلى أي مدى كان تأثير هذا الدور ولكن أتصور أنه قام بعمل شيء في هذا الإطار». لا مُستقبل مشرقاً للعراق قبل التخلص من نظام المحاصصة أكد السيد علي فضل الله أن «العراق بلد غني بموارده الضخمة، لكن العراقيين في غالبيتهم يعيشون أحوالاً قاسية، ولقد كانت مطالب الشعب العراقي واضحة منذ البداية، تتصل بمواجهة مظاهر الفساد والهدر غير المسبوقة».وأشار إلى أن «ثمة فريقاً من القوى السياسية لا يخفى حرصه على بناء دولة حقيقية لكن تنقصه الخبرات والتجارب السياسية والإدارية، وثمة فريق آخر ربما تكون السلطة قد أفسدته، وثمة من انشغل بخوض صراعات جانبية لتعزيز نفوذه بعيداً عن هموم بناء الدولة، لكن المشكلة الكبرى في تقديري تتعلق بنظام المحاصصة التي بنيت الدولة العراقية على أساسه بعد سقوط حكم صدام وبرعاية دولية، وفي هذا النظام تفقد السياسة معناها النبيل والسامي المتصل ببناء دولة القانون والعدالة لتتحول إلى صراع حول السلطة ومغانمها، وبما يجعل كل فريق يسعى لاستدراج حليفه الإقليمي أو الدولي لتعزيز موقفه، وما لم يتم التخلص من مثل هذا النظام الذي بطبيعته يولد صراعات طائفية ومذهبية وقومية وحتى داخل الفئة الواحدة، لن نرى مستقبلاً مشرقاً للعراق». الحكومة الجديدة في لبنان غير قادرة على تقديم حلّ جذري تطرق السيد فضل الله إلى أفق الحلول للأزمة في لبنان، مؤكداً أن «الحل ليس سهلاً لأن البلاد وصلت إلى مرحلة من التدني على المستوى الاقتصادي والمعيشي والسياسي».وقال: «حالياً نجح الأفرقاء في تشكيل حكومة، لكننا لا نشعر بأن مثل هذه الحكومة قادرة على تقديم حل جذري لمشكلة البلد، دائماً نؤكد أن حل المشكلة في لبنان لا يتم إلا من خلال توافق الجميع، وهنا نقصد بالجميع الداخل اللبناني والقوى الخارجية المؤثرة».وأضاف: «نحن نعتقد أن التغيير المتوقع سيكون شكلياً ومضمونه لن يكون على المستوى المطلوب، نأمل أن تكون الصورة مغايرة للوضع الفائت لأن الناس أصبحت أكثر وعياً وكذلك العالم الذي ينتظر أن يمد لبنان بالمساعدات أصبح يراقب الوضع بشكل أكبر، لذا نتمنى أن يكون التغيير على قدر مستوى الطموح، وأحب أن أشير هنا إلى أهمية أن يتم التغيير حتى يستفيد منه الجميع، من الجيد أن يبادر من هم في السلطة إلى إحداث التغيير حتى لا يأتي التغيير على حسابهم إذا استمروا في هذه المرحلة، هم قادرون أن يستعيدوا ثقة الشارع مرة أخرى إذا شعر الناس أن هناك تغييراً جدياً، لأنه في النهاية هناك بعض الطوائف ما زالت تحمي رموزها ولكن هناك نَفَس جديد موجود ومن الجيد أن يكسبوا طوائفهم ويحافظوا على ما تبقى». شريحة واسعة من الشيعة شاركت في الاحتجاجات رداً على سؤال عن اتهام البعض لـ«الثنائي الشيعي» في لبنان (حزب الله وحركة أمل) باختطاف قرار الشيعة، وأخيراً منعهم من المشاركة في الانتفاضة، قال السيد فضل الله: «هناك شريحة واسعة من الشباب الشيعي شاركوا في الحراك الشعبي، وقد وقع بعضهم جرحى في المواجهات مع السلطة، فالمسلمون الشيعة شأنهم شأن غيرهم من الطوائف والفئات اللبنانية عانوا مرارات كبيرة من السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية للحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ التسعينات». وأضاف «لذا عبّر الشيعة عن مواقفهم بطرق شتى، صحيح أن نسبة من هذه الشريحة تراجعت عن المشاركة بعدما شعرت بتغير مسار الحراك، لكنني أعتقد أنه لم يكن هناك قرار قيادي بمنع المشاركة، وإن أبدت بعض القيادات الشيعية حذراً من نوايا بعض أطراف الحراك التي استهدفته ببعض الشعارات».