رحل الأمير بدر بن عبدالمحسن (2 إبريل 1949- 4 مايو 2024) بعد أن قدّم مع الأمير خالد الفيصل من السبعينيات الميلادية كلمات وشعراً موحداً للشعر الغنائي السعودي الذي يمزج الثقافة المحلية بنمط وأسلوب يعرف باللهجة السعودية الموحدة والمشتركة يستوعبها ويدرك ألفاظها ومعانيها من جازان جنوب غرب المملكة في البحر الأحمر، إلى الخفجي شمال شرق في رأس الخليج العربي، ومن الربع الخالي جنوب شرق المملكة، إلى حقل في تبوك شمال غرب المملكة في خليج العقبة والبحر الأحمر، يستطيع كل أبناء مناطق المملكة فَهْمَ أبعادها واستيعاب الكلمات الغنائية من قبائل ومدن وقرى وهجر المملكة في توحيد لفظي بعد توحيدنا سياسياً وجغرافياً تأتي الثقافة المحلية لتضيف لنا كسباً معززاً بما حاول بدر بن عبدالمحسن أن يوجده في أجمل المتلازمات الربط بين وجه من يحب، والأرض بهوية وطنية، حيث لا يبعد بالمسافات طويلاً ما بين أنفاس الناس وهذه الأرض التي تشكلت ببحارها وجبالها وسهوبها العطرة في وحدة نادرة، وكأن البدر الرقيق الذي يعيش على شرفات الأفق يعيد اكتشاف الوطن والناس وعبق الصحراء المتشاطئة بأملاح البحر والأصداف والخلجان الغائرة، حيث تتداخل التهامة المشبعة بالرطوبة بلطف وتحنان برمال البحر وحافات الجبال السمر ( السروات والحجاز ومدين ) والحرات التي بردت وشكّلت الفوهات والأنفاق الأسطوانية، هذا التكوين المنساح برشاقة شرقاً هناك حيث شجيرات النفل والخزامي وأقحوان الهضاب المتطامنة في نجد وعمودها الفقري جبال طويق جعلنا أكثر تقارباً مع أهازيجنا والفولكلور المتوارث والباقي في دواخلنا. كان لدى بدر (الهم) الشامل في نقل الهوية الغنائية السعودية إلى مشرق العالم العربي وإلى الشمال الإفريقي العربي، ولتحرير الثقافة الغنائية المحلية مما علق بها من ثقافات وتأثيرات جاءت من خارج أطالس بحارنا وصحارينا الجافة التي كانت - صحراؤنا - هي فيما مضى مصدر الإلهام الشعري وخيمة العالم الإسلامي. كان الشعر الغنائي قبل الأمير خالد الفيصل وبدر بن عبدالمحسن في المملكة غارقاً بالمفردة المحلية غير الدارجة في الوطن العربي بل متعمقة باللون التقليدي المتشبع بالمحلية القديمة محلية القرية النائية التي بقيت في تفاصيل بيئتها المستمدة من أقاليمها الأصغر، تكاد تكون غريبة عن لهجات المدن، ولغة الجامعات والتعليم والإعلام وغير متزامنة مع التحضر والمدنية التي يتحدث بها أبناء المدن وجاء البدر من خلف تلال الثقافة الرحبة والمتصالحة ليوحد الشعر الغنائي ما بين ابن القرية، وبين ابن المدينة ويساهم في توحيد لهجة المملكة حتى لا تكاد تفصل شماليتها عن جنوبيتها ولا حجازيتها عن نجديتها، ولا تهامية البحر الأحمر عن رمال جافورة الخليج العربي. الأمير بدر بن عبدالمحسن الذي عاش للشعر الغنائي، لم ينشغل عنه طوال (55) عاماً في الوظائف والأعمال الإدارية، أو المناصب، عاش حياته شعراً، تنفس الشعر فكانت حياته قصيدة لم تكتمل، تحرض وتستفز العاطفة والتسامح فتجعله دائماً في حالة يقظة الحب المستدام والمتجدد، مما مكنه من صياغة أجمل القصائد للعاشق والمعشوق والأرض والناس.