×
محافظة المنطقة الشرقية

مغردو «تويتر» يسخرون من صاحب الماء المقروء عليه للإبل

صورة الخبر

ما زلنا نتحدث بين حين وحين عن أزمة النقد، فهل لدينا في سائر أوساطنا الأدبية العربية أزمة نقدية بالفعل؟ أم نحن نحاول - اختراع - هذه الأزمة من «عندياتنا»، ونعطيها من الحجم الإعلامي عبر ملاحقنا الثقافية والأدبية في صحفنا ومجلاتنا أكبر من حجمها الطبيعي الذي تستحق؟ أما أنها أزمة مفتعلة أو - مزعومة -؟ فلا أكاد أركن إلى صحة هذا القول؛ لأنني أجهل ان كان صحيحا، وأكاد أزعم أن النقد يخرج من تحت - عباءتين - ان صح القول، إحداهما عباءة جامعية والأخرى صحفية، ويبدو من واقع الأمر أن الأزمة سواء كانت مفتعلة أو غير مفتعلة تدور داخل تضاعيف العباءة الثانية، أي داخل الأعمدة الصحفية، لا سيما تلك التي تجمل ملاحقنا الأدبية والثقافية بشكل مكثف أكبر، فأصحاب هذه الملاحق تقع عليهم تبعة مسؤولية إثارة هذه الأزمة؛ لأنهم هم الذين - يضغطون - عليها بهذه الحساسية المفرطة في المبالغة والتهويل. ويحق لي أن أتساءل: هل هذه الملاحق تقوم بعملية الإعلام عن الأدب أم نقده؟ ودعوني أكون صريحا فأقول: إن العملية تجنح إلى جانب الإعلام عن الأدب، ولا تجنح إلى نقده بطريقة صائبة، فعندما يصل للمحرر الثقافي كتاب أدبي يستحق نقدا واستعراضا نراه يفتش في فهرسه عن معلوماته، فيختار منها ما يستهويه ويروق له فيقوم بنشره مع غلاف الكتاب وصورة المؤلف - وتوتة توتة.. خلصت الحدوتة. هذا هو واقع العملية النقدية في صحافتنا، وهو واقع اعلامي لا نقدي للأدب، وهذا أمر مؤسف للغاية ويدعو لمزيد من الأسى، بل يدعونا الى تذكر - صحافة زمان - تلك التي كانت تعتني عناية خاصة بالأدب، وتحفل بالأدباء، وقد انقلبت الصورة في صحافة اليوم رأسا على عقب، فأضحت - صورة وخبرا -، ولم تعد قصة أو قصيدة أو مسرحية كما عهدناها في أوائل القرن العشرين، حيث لم تكن الدهشة تعلو وجوهنا كما هو الحال اليوم حينما نجد قصيدة جيدة تستحوذ على مساحة الصفحة الأولى بأكملها في جريدة يومية. وأكاد أزعم أن الصحافة وقتذاك لم تتحول الى - صناعة - بعد. أضف إلى ذلك أن معظم رؤساء تحريرها كانوا من الأدباء، أما اليوم فقد تحولت الصحافة إلى مهنة، فأدى ذلك الى نوع من الانشطار أو الانشقاق أو الانفصال.. سمّه ما شئت.. بين الصحفي والأديب.. وأظن أن هذا الوضع له عيوبه ومحاسنه، فمن محاسنه أنه منع اختلاط الحابل بالنابل، فأضحت للصحافة لغتها، واحتفظ الأدب بلغته، ومن عيوبه أنه صرف الناس عن الكتاب الأدبي الى الصحافة الأدبية بما فيها من ضحالة فكرية واضحة. وأظن أن الأزمة النقدية اتضحت الآن، إذا كان هناك ما يسمى بالأزمة النقدية، وهي ناشئة عن اهتمام ملاحقنا الثقافية بالناحية الإخبارية للأدب، لا التحليلية النقدية واهتمامها بالإثارة الأدبية دون التعمق في العمل الأدبي من الداخل. إن - النقد الجامعي - ان صحت التسمية يتسم بالبطء الشديد، وأحسب أن هذا البطء يعود بطبيعته الى محاولة النقد الأكاديمي ورصد الظواهر الأدبية رصدا دقيقا ومتأنيا. وهذا الرصد عادة لا يقوم به كل أستاذ جامعي، وانما يقوم به أساتذة أكاديميون تتوافر لديهم ملكات النقد وأدواته الفنية المتعددة، وأهمها موهبة النقد، فليس بدعا أن أقول بضرورة توافرها في الأستاذ الجامعي الأكاديمي، فبدونها لا يمكن رصد الظواهر الأدبية بطريقة صائبة، وأكاد أقرن هذه الموهبة بالموهبة الأدبية، فإذا تمتع الأديب بموهبة الكتابة الموضوعية في أي حقل من حقول المعرفة الأدبية والفنية، اقترب من الإبداع، وإذا لم يتمتع بتلك الموهبة بقي بعيدا عن هذه المرحلة. أعود الى - النقد الجامعي - فأقول: إن جلّه للأسف يتمحور حول دراسات وأبحاث في النصوص الأدبية، أو النظريات الأدبية، أما التأمل في تلك النصوص أو النظريات للخروج بتحليل نقدي صائب لأبعادها الفنية، فهذا ما لم أجده متفشيا في النقد الأكاديمي الجامعي، وهنا تكمن الأزمة. وأحسب أن الخروج من بوتقة هذه الأزمة لا يمكن أن يتحقق دون تعاون مثمر - ان جاز القول - بين الناقد الصحفي والناقد الأكاديمي، بمعنى أن تستفيد المؤسسات الصحفية من أساتذة الجامعة، وتستفيد الجامعات أيضا من الدراسات النقدية الصحفية بطريقة نصل معها في نهاية المطاف الى مستقبل واعد وزاهر للنقد، فبدونه لا يمكن أن تتم لنا نهضة أدبية مرموقة، وبدونه سوف نظل نراوح في أمكنتنا، وبالتالي فإن هذه الأزمة سواء كانت مفتعلة أو غير مفتعلة سوف تظل قائمة دون حل.