يحمل الإعلان المدفوع الأجر عنواناً يشي بغايته: هل تريد أن تكون عارضاً أو عارضة للمنافسة على لقب «عارض السنة» في المملكة المتحدة؟ المرشح الفائز، كما يوضح إعلان الشركة المنظمة، لن يحصل فقط على «نصيب» من قيمة الجائزة الكبرى، بل سيحصل أيضاً على عقد مضمون مدته 12 شهراً للقيام بعروض أزياء، ودروس في امتطاء الجياد على أيدي أبطال عالميين في الفروسية، إضافة إلى مغريات وحوافز أخرى. لكن الإعلان يشترط أيضاً على الراغبين والراغبات في خوض المنافسة أن يصطحبوا معهم فرداً بالغاً من أهلهم يكون مسؤولاً قانونياً عنهم. فهذه المنافسة هي للأطفال فقط ممن تراوح أعمارهم بين 3 سنوات و15 سنة لا أكثر. رواج... وشهرة لا شك في أن هناك من سيتقدم بالتأكيد للمشاركة في هذه المنافسة قبل إغلاق باب قبول الترشيحات في 1 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وسواء كان المثل القائل «القرد بعين أمه غزال» صحيحاً أم لا في حالة كثير من المشاركين والمشاركات، فإن الأكيد أن ثمة عائلات كثيرة ستعتبر أن طفلها أو طفلتها من ضمن أجمل ما خلق الله، وبالتالي فإن «من الطبيعي» أن يفوز - أو تفوز - بلقب ملك أو ملكة جمال منافسة معيّنة. ومعروف أن مثل هذه المنافسات يلقى رواجاً في العديد من الدول الغربية، وخصوصاً في الولايات المتحدة التي تشتهر بتنظيم عروض أزياء للفتيات الصغيرات اللواتي لم يكملن العاشرة من العمر، واللواتي غالباً ما يظهرن بشعور مصففة وأحياناً مصبوغة باللون الأشقر وبطلاء أظافر وحلة ماكياج كاملة، بما فيها أحمر الشفاه وكحل العيون. ويعمد منظمو هذه المنافسات، أحياناً، الى عرض الطفلات الصغيرات بملابس البحر... أمام حشود من الجماهير وكاميرات التلفزيون التي تتنافس بدورها على نقل وقائع المنافسات وإجراء المقابلات مع المشاركات وذويهن. وبالتأكيد، فإن هناك كثيرين ممن يحبون متابعة مثل هذه المنافسات لأنها تقدّم لهم شيئاً مختلفاً عن غيرها من منافسات ملكات الجمال، خصوصاً لجهة البراءة التي تصدر عن الأطفال في إجاباتهم العفوية، وأيضاً لجهة اكتشاف مدى حماسة هذه الأم أو تلك لكي تفوز ابنتها بلقب «أجمل فتاة» في المنافسة. استخدام غير شريف للأطفال؟ لكن إذا كان تنظيم منافسات ملكات جمال الأطفال اعتُبر مقبولاً وعادياً في السنوات الماضية، فإن الأمر يبدو مختلفاً اليوم بعدما فقدت هذه المنافسات بريقها وباتت تلقى انتقادات قاسية، إذ يُلاحظ اليوم ظهور معارضة متزايدة لتنظيم منافسات ملكات جمال الطفلات، وتحديداً في الدول الغربية التي انطلقت منها هذه المنافسات. ومن الجمعيات التي تقود حملة ضد هذه المنافسات اليوم، جمعية «كيدسكيب» الخيرية لرعاية الأطفال في بريطانيا التي تعتبر أن تنظيم بطولات جمال للأطفال بات «يجذب في طريقة غير مقصودة الذين يشتهون الأطفال جنسياً». وتقول الجمعية أن تنظيم مثل هذه المنافسات «مقلق جداً»، وتشير إلى أن هذا النوع من المنافسة يشجع على حياة «سطحية» يمكن أن يجري فيها «استخدام جنسي للأطفال»، ويمكن أن يؤدي إلى «ضرر نفسي» بالأطفال في مرحلة لاحقة من مراحل عمرهم. وجاء موقف الجمعية في ظل انتشار ظاهرة تنظيم منافسات جمال الأطفال في بريطانيا والتي أثارت ضجة سلبية في وسائل الإعلام. في واحدة من هذه المنافسات - منافسة «الطفلة العارضة» (Mini-Miss Model UK) - عمد الأهل بأنفسهم الى عرض طفلاتهم على منصة العرض، وظهر جلياً أن بعضهن لم يكن بعد يستطيع الوقوف في شكل ثابت على قدميه لأن عمر الطفلة لم يتجاوز السنة إلا قليلاً، فيما ارتدت طفلات أخريات ملابس أو زينة (ماكياج) للنساء البالغات. لكن منظمي ذلك العرض نفوا في شدة تعرض الأطفال المشاركين في المنافسات لأي تهديد بأن يجري استغلالهم أو استغلالهن بطريقة سيئة. موالون... ومعارضون كما أن بعض ذوي الأطفال المتنافسين يذهبون إلى حد ضم أصواتهم إلى أصوات منظمي مسابقات جمال الأطفال ولا يعيرون اهتماماً يًذكر بالانتقادات التي يتعرضون لها، خصوصاً أن الأطفال الصغار لا يمكنهم - على عكس البالغين - أن يقولوا ما إذا كانوا فعلاً يرغبون في خوض مثل هذه المنافسات. وفي هذا الإطار، تقول جين هاريس، وهي عارضة سابقة، إنها تشجع أطفالها على المشاركة في مسابقات الجمال، وهي فعلت ذلك حقاً عندما أشركت ابنتها ساشا (11 سنة) وابنها ماكس (7 سنوات) في واحدة من هذه المنافسات. وتوضح في مقابلة تلفزيونية: «الشكل كل شيء. إذا كنتِ بشعة لا أحد سيتكلم معكِ. إذا كنت جميلة تباهي بجمالك». بدورها، تدافع ليان وودوول، وهي منظمة لمنافسات ملكات جمال الأطفال في بريطانيا، عما تقوم به، قائلة إنه يساعد الأطفال في اكتساب ثقة في النفس. وتضيف: «الناس يعتقدون أنها (المنافسات) تعني أن يجري إلباس الأطفال لباساً كي يظهروا كالبالغين، لكنهم ينسون أنهم يفعلون هذا الشيء ذاته عندما يذهبون للرقص أو عندما يشاركون في عرض مسرحية أو خلال الحفلات التنكرية في عيد «هالوين». إنه يومهم كي يكونوا أمراء. وسائل الإعلام تعرض الأمر على أنه سيئ وفيه إنضاج جنسي للأطفال وإلباسهم لباس الكبار. لكن لو جاء الناس (الذين ينتقدون) لحضور المنافسات، لأيقنوا أن الأمر لا يختلف عن حضور لعبة أو مباراة في كرة القدم». غير أن هذا الدفاع المستميت عن تنظيم منافسات ملكات جمال الأطفال يبدو أنه يواجه الآن معارضة أكثر استماتة، وتحديداً في أوروبا. فقد صوّت مجلس الشيوخ الفرنسي قبل أيام على حظر تنظيم مباريات جمال الأطفال وهدد بإرسال الأهل الذين يرسلون أطفالهم للمشاركة في هذه المنافسات إلى السجن لفترة تصل إلى سنتين. وحظي مشروع القرار، وهو جزء من تشريعات مخصصة لحقوق المرأة، بتأييد 196 صوتاً في مقابل رفض 146. وسينتقل القانون إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره. قد تكون المعركة طويلة وما زالت في بدايتها، لكن الأكيد أن النقاش حول منافسات ملكات جمال الأطفال قد فُتح ولن يكون حسمه سهلاً في فترة قريبة.