العمل العام بأمانة ودراية وشفافية هو ما يعزز قيم الوطنية ويرسخها في النفوس، وهو أيضاً إذا اضمحل أو أصابه الضعف والضمور يدق اسفيناً في جذورها. ينطبق هذا على العمل الخاص، لكنه في الأول بمفهومه العام والجماعي الداعي إلى التماسك أكثر إلحاحاً وضرورة. عدم مواجهة الفساد مواجهة حقيقية فاعلة تفرز الخبيث من الطيب أسهم في إضعاف الوطنية ليدفع إلى الواجهة بقدوات سيئة رديئة، إذا رأى الموظف الصغير رئيسه يسرق أو يمارس ألوان الفساد واستغلال النفوذ من دون تعرض لمساءلة أو ردع فإنه سيكون قدوته «الناجحة»، الأمر ينطبق على غيره، في المحصلة هذه النماذج السلبية حازت على التمكين والثراء من دون تعرضها لردع، في حين غابت القدوة الحسنة عن المشهد لتتوارى خلفه. وما يجب إدراكه أن الوطنية ليست عملية صناعية لموجة عاطفية موقتة عند الحاجة، هي خزين استراتيجي يغرس ويعتنى به بشكل دائم، تستلزم العناية بها القضاء على آفات ونباتات متسلقة تلتف حولها فتكاد تخنقها. لم تحصل الوطنية على مغذيات في بلادنا بل حصلت على مثبطات ومحبطات، من أبسط الأمور تعرضها لتجريف وتجويف، فرغ المفهوم والمصطلح وكذلك الصفة من مضامينها، ألحقت بحرص ودأب بالتجاري لتتحول إلى صفة لصيقة بمنتجات استهلاكية أو شركات هدفها الأول الربح المادي. تعزيز الوطنية لا يأتي بالوعظ والخطب أو المؤتمرات، لهذه أهميتها، لكن للممارسات وتطبيق القانون بعدالة للمحافظة على الحقوق وتبيان الواجبات أهمية أكبر وأعمق. في جانب آخر هناك إشكال لدى البعض في مفهوم الوطنية، وهنا أنبه القائمين على مؤتمر جامعة الإمام محمد بن سعود المزمع عقده في الفترة المقبلة إلى بحث ثري عن مفهوم الوطنية للشيخ صالح الحصين - يرحمه الله تعالى، حاول فيه التأصيل لهذا المفهوم، والبحث منشور بعنوان «اقتراح لصياغة مفهوم الوطنية السعودية» ومتوافر على الرابط الآتي http://www.islamdaily.org/ar/alsaudia/11467.article.htm هذا في صياغة المفهوم للوطنية السعودية، لكن في المحافظة عليها وتنميتها لتكون كياناً قوياً متماسكاً وهاجساً لكل فرد يعتز بها، يجب التنظيف أولاً بمواجهة كل أنواع الفساد، ثم إبراز القدوات الحسنة المرتبطة بأعمال وطنية حقيقية، تلك التي ترفعت عن الاستئثار وقدمت الإيثار. www.asuwayed.com asuwayed@