أحداث صغيرة تصنع تاريخا كبيرا. هذا هو صفوة القول في تفسير بعض ما يسمى بالصدف التاريخية. ماذا لو تحقق حلم الفوهرر أدولف هتلر في شبابه، حلم بأن يصبح فنانا مرموقا؟ كيف سيكون مصير العالم ومسار التاريخ البشري؟ التاريخ هو سلسلة معقدة من الأحداث الآخذ بعضها برقاب بعض، أحداث متناهية الصغر لدرجة لا تخطر لك على بال. قتل ولي عهد المملكة النمساوية المجرية، الأرشيدوق فرانز، بسبب صدفة حصلت للقاتل الصربي الذي أخفق في اعتراض الموكب الرسمي للأرشيدوق فقرر أن عمليته انتهت، وذهب لمقهى جانبي ليجد سيارة الأرشيدوق أمامه بعد أن انحرف مسار الموكب الملكي إلى طريق فرعي، صودف أن الشاب الصربي كان فيه. وبسبب هذه الصدفة اندلعت الحرب العالمية الأولى، التي كان من ضحاياها سقوط الإمبراطورية العثمانية «الخلافة»، وكان من آثار هذا السقوط المدوي، الهزة النفسية التي عصفت بكثير من المسلمين الممالئين للدولة «العلية»، وتجسد ذلك في ظهور جماعة الإخوان نفسها.. في سلسلة من الأحداث تصل إلى يومنا وهي تنطلق من صدفة ذلك اليوم الدموي في سراييفو حيث قتل الأرشيدوق، بالصدفة! قبل أيام ذكرت دار مزادات ألمانية أن لوحة بالألوان المائية تعود لعام 1914 رسمها أدولف هتلر ستعرض للبيع في مزاد، وقد تصل قيمتها إلى 50 ألف يورو (62685 دولارا)، بسبب وجود اهتمام عالمي قوي باللوحة. اللوحة رسمها هتلر ما بين 1905 و1920 وذكر الخبر الذي جاء في «الشرق الأوسط» أن هتلر كتب في سيرته الذاتية «كفاحي» أنه كان يأمل وهو في فترة الشباب أن يصبح فنانا، لكن أحلامه هذه تحطمت برفض أكاديمية الفنون الجميلة في فيينا قبوله مرارا. ماذا لو قبلت أكاديمية فيينا هذا الشاب واستوعبت طموحه الفني، حتى لو كان متواضعا؟ ماذا لو لم يفرج الأميركان عن إبراهيم عواد (خليفة داعش) من السجن قبل بضع سنوات؟ ماذا لو أن أسامة بن لادن لم يدخل جامعة الملك عبد العزيز بجدة ويتعرف على عبد الله عزام؟ ماذا لو غرق صدام حسين في النهر أثناء هروبه من العراق أثناء جموحه البعثي المعارض؟ ماذا لو أن عبد الناصر قتل في حصار الفالوجة في حرب فلسطين، قبل تشكيل تنظيم الضباط الأحرار؟ ماذا لو أن عبد المنعم أبو الفتوح كان هو مرشح الإخوان للرئاسة المصرية؟ عشرات الأسئلة من هذا النوع، من الصدف الكبيرة أو الصغيرة، تفترض تاريخا موازيا لو تخيلنا حصولها. لكن ثمة مدرسة في القراءة التاريخية تقول إن التاريخ ليس إلا حتميات قاهرة، لا مجال فيه للصدف، فالحرب العالمية الأولى كانت ستحصل سواء اغتيل الأرشيدوق أم لا، والحرب العالمية الثانية كانت ستحصل سواء كان هتلر فنانا أم لا... وهكذا، ويظل دور الفرد هنا أو الحادثة الصغيرة تفصيلة إضافية تطعم الأحداث الكبرى ولكنها لا تصنع الوليمة نفسها. من يدري؟! الليالي حبالى. m.althaidy@asharqalawsat.com