هكذا وبكل بساطة أخذ الإهمال يغتال فلذات أكبادنا، ويوقظنا بين فترة وأختها على فجيعة هي أشد من سابقتها، ومسلسل الإهمال ما زال يعرض حلقاته المفزعة، ويحصد الجوائز تلو الجوائز في ظل غياب الرقابة، وأمن العقاب. مات الطالب عبدالله عاطي عطية الزهراني -رحمه الله- الطالب في الصف الثاني ثانوي، غرقًا في بالوعة الصرف الصحي داخل أو بالقرب من مدرسته. هذه الحادثة التي هزَّت المجتمع، صغيره وكبيره، رجاله ونساءه، إنَّها والله لخطب جلل ومصاب عظيم، خاصة وأنَّها ثاني حادثة وفاة لثلاثة أشخاص في أقل من شهرين، إذ مازالت الجرا ح تَنِزُّ ألماً على الحادث الأول، الذي لم تعلن اللجان المشكَّلة في التحقيق -حتى الآن- عن المسؤول، وعن العقاب الذي يستحقه، فإذا بنا نُفجع في طالب في عمر الزهور اغتالته أيدي الإهمال. إنَّ صرخات الحرقة وأليم المصاب التي دوَّت في مكان الحادث المروّع، الصادرة من قلب الأب أو الأخ الموجوع، قد هزَّت قلوب كل من شاهد المقطع، وأدمعت عيون الكثيرين، إلا قلب أولئك الذين ماتت ضمائرهم، وسكن الإهمال نفوسهم. أمام هذه الحوادث المخجلة علينا أن نتوقف عن المفاخرة بإنجازاتنا في كل المجالات، وأن نكف عن تلك الدعايات التي تنادي باستثمار الفرد، إذ كيف نستثمر أفرادًا حياتهم كل يوم في خطر؟ إنَّ الخطوة الأولى والرئيسة نحو الحضارة هي معرفة قيمة الفرد وكرامته، فوالله لن نرتقي ولن نتحضر إذا لم نعرف قيمة الفرد الذي أعلى الله من شأنه وكرَّمه، وجعل ماله ودمه وعرضه حرام، بل جعل قتل النفس الواحدة كأنَّها قتل لجميع النفوس، وإحياءها إحياء لكل البشر (من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا)، فقبل أن ننادي باستثمار الفرد، علينا أن نفقه أولاً معنى قيمة الفرد، ونضع الخطط التي تسعى للحفاظ على حياته. ليس من كرامة الفرد أن نُقدِّم واجب العزاء فقط، وليس من كرامته أيضاً تشكيل لجان للتحقيق دون أن يرتدع الآخرون. إنَّ من أكبر قضايا الفساد يا هيئة الفساد هي إهمال حياة النّاس، فكم من بالوعات صرف صحي مازالت فاغرة الفاه لتبتلع أبناءنا، وكم من علب كهرباء مفتوحة غير مغطاة، وكم من أسلاك مجروحة في الطرقات، وكم من حفر ومطبات تنتشر في شوارعنا وخاصة الداخلية منها، وكم من مخلفات تحمل جميع الأمراض تمتلئ بها طرقاتنا، بل مدارسنا وجامعاتنا ومستشفياتنا، وأماكن منتزهاتنا. كم ضحية يريدها هؤلاء المُهمِلون حتى تستيقظ ضمائرهم، وكم فاجعة ننتظر حتى نرى عقوبات رادعة تليق بحجم الكارثة؟! لماذا لا تكون هناك جهة مسؤولة مستقلة مهمتها مراقبة ومتابعة كل ما من شأنه تهديد حياة الأفراد ومحاسبة الجهات المختصة بذلك، وتكون هي الجهة المسؤولة والمُحَاسبة أمام القضاء عند وقوع أي حادثة إهمال، حتى لا تضيع أرواح أبنائنا في زحمة تبادل التُّهم أو المجاملات. اللهم إنَّا نستودعك أرواحنا وأرواح أبنائنا في غدوهم ورواحهم، في ليلهم ونهارهم، وأنت حسبنا ووكيلنا في كل مُقصِّر ومُهمِل، لا يعبأ بحياتنا. اللهم أفرغ صبرك على آل الزهراني، واجبر كسرهم، وأحسن عزاءهم، وعوضهم خيرًا في مصابهم، واغفر لميّتهم وأسكنه فسيح جناتك. d.najah-1375@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (49) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain