لعل النموذج الأكثر حضورا وإشراقا في ذاكرة المرأة المسلمة هو للسيدة الأولى خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ودورها كتاجرة ثم قائدة وراعية لزوجها صلوات الله وسلامه عليه رغم أن دورها القيادي كامرأة قوية وحاضرة وفي الدفاع عن الإسلام لم يعط حقه من التحليل في الدراسات الإسلامية لعدم الرغبة في التأكيد على الحضور القوي (الجندري) للسيدة خديجة مقابل النظرة السلبية التي يؤكدها بعض الدعاة الإسلاميين للمرأة عامة بحكم نظرتهم التقليدية وبحكم مفهومهم للعلاقات بين الجنسين وفي داخل المؤسسات الاجتماعية والتي تنطلق من مفاهيم المجتمع الأبوي البطريركي. إحصاءات اليوم تشير إلى نسب التحاق عالية جدا للفتيات بالتعليم مسأوية أو قد تبرز أحيانا الذكور وخاصة في المرحلة الجامعية وهذا على مستوى العالم العربي والإسلامي كله ففي السعودية مثلا وكما أظهرت إحصاءات إلى يونيسف للعام 2012 فإن نسب التحاق من هم في المرحلة الابتدائية بالتعليم يبلغ 97.3 % بالنسبة للبنين والبنات مما يعني أن فكرة التعليم أصبحت متجذرة وأن الاستثمار الذي وضعته الدولة في التعليم والذي كان دائما يمثل ربع الميزانية قد أثمر بحيث اختفت تقريبا الأمية بين الصغار كما ارتفع معدل العمر المتوقع للفرد السعودي إلى 75 سنة نتيجة انتشار الخدمات الصحية وارتفعت مقابل ذلك معدلات التحاق الفتيات في التعليم الجامعي لتوازي إن لم تبز البنين كما هو ملموس الآن في عدد من دول العالم الإسلامي مثل السعودية وقطر والبحرين وعمان ولبنان بل إن نسب التحاق الفتيات بالتعليم الجامعي في دولة مثل الإمارات يعادل ثلاث مرات التحاق الطلبة الذكور. هؤلاء النساء حين يتخرجن من الجامعات سيبحثن بالضرورة عن عمل وسيمثلن قوة اقتصادية هائلة ستغير وجه هذا الشرق وتفرض سطوة حضورها عليه رغم البنى الاجتماعية التقليدية التي لا زالت تصارع للحفاظ على أردية الخيمة القديمة من الطيران وهي لا تدري أن أسس الخيمة قد طارت إلى غير رجعة! ومع التعليم وخروج المرأة إلى العمل تأتي التغيرات الاجتماعية للبنى التقليدية وتتغير الأدوار والوظائف تبعا لذلك. سيبقى دور الأم ودور الأب، فالأسرة في النهاية هي عماد المجتمع الإنساني واصل تكوينه وستبقى وظائف كل عضو حيوية ومهمة لبقاء الأسرة ورعاية الأجيال القادمة لكن العلاقات بين الطرفين ستتغير وتصبح أكثر عقلانية وأقل ذكورية وسيمثل خروج المرأة إلى العمل قوة إضافية تساعدها على الاستقلال والتصرف في حياتها واتخاذ ما تراه مناسبا لها ولأسرتها. ويساعد في ذلك بلا شك التقدم التكنلوجي الهائل الذي مكن العالم الإسلامي من تحقيق أشواط طويلة من النمو والتغير احتاجت الأمم سابقا إلى أجيال وسنوات لتصل إليها في حين حققته الأمم الحديثة خلال سنوات معدودة واحدثت عولمة الأفكار والنماذج إلى أن يتطلع الجيل الجديد إلى نماذج خارج نطاق ثقافته التقليدية ومكنته وسائل التواصل الاجتماعي من ذلك بضغطة أصبع. ما الذي علينا فعله للتعامل مع تلك التغيرات والاستفادة منها في بناء المجتمع؟ أن يتم توليد الأنظمة واللوائح والقوانين التي تنظم علاقة المرأة بالفضاء العام سواء في العمل أو الشارع أو المتجر مثل توفير بيئات داعمة لرعاية الصغار متى اختارت المرأة أو اضطرت للعمل ولديها صغار ومنها أنظمة تنظم علاقة الجنسين مثل قوانين التحرش وفي كل مكان.. في العمل والشارع والسوبر ماركت الخ ومنها قوانين اقتصادية لحفظ حق المرأة في المؤسسة الزوجية فيما لو اضطرت للطلاق فطالما أنها تعمل فهي أيضا تساهم في دخل الأسرة وبناء مواردها الاقتصادية مما يحتم بالضرورة وضع قوانين تحدد الملكيات بين الزوجين وخاصة في حالة الطلاق إذ لا يعقل أن المرأة وبعد سنوات طويلة في مؤسسة الزواج تخرج هكذا دون أي دعم اقتصادي أو مكان تلجأ إليه وإذا كان المجتمع التقليدي القديم يتوقع أن على المطلقة العودة للعيش مجددا في بيت أبيها فإن هذا لا يبدو خيارا مقبولا من الجميع اليوم بعد أن حققت المرأة استقلاليتها الاقتصادية وبنت شخصيتها المستقلة مما يعني حقها في كينونة منزلية تخصها هي بعد الطلاق لذا لا بد من قوانين منظمة لشؤون الملكية داخل عش الزوجية بما في ذلك ملكية المنزل التي يجب أن تقسم بين الزوجين كما يحدث في كل أنحاء العالم بعد سنوات طويلة من الزواج. والأمر ذاته ينطبق على رعاية الصغار وحق الحضانة الخ فالفكرة هي ما هو الأجدى للصغار وليس فقط ما هو سائد أو مقبول اجتماعيا وثقافيا. ومن القوانين التي بالطبع تحتاج إلى مراجعة شاملة هو قانون المحرم وما يحمله في ثناياه من عنصرية بغيضة تنظر للمرأة كمملوك وللرجل كسيد. لن ينفع هذا مع بناتنا القادمات يا سادة. المرأة المسلمة وعبر كافة الدول الإسلامية تشق طريقها بهدوء وصلابة وعزم وهي لا تنوي التراجع ولا تستطيع ولذا فمن الأجدى لمجتمعاتنا التي لا زالت تناقش قضاياها البائدة التي أكل عليها الدهر وشرب مثل نفتح سينما أو لا أو نسمح لها بقيادة السيارة أو لا أو نعطيها جواز سفر أو لا.. كلها وقريبا جدا تصبح نكتة لمن يسمعها.