هذه قصة مريضة ومثلها كثير أتت إلى العيادة بصحبة ابنها الذي كان حريصاً على مساعدة والدته وكانت شكوى المريضة التي كانت في الستينات من العمر أن لديها آلاما مزمنة في الركبتين تزداد مع المجهود والقيام والمشي وتعيقها عن القيام بالأعمال اليومية والأنشطة اليومية وأن هذه الآلام قد ازدادت في الفترة السابقة وأصبحت شدتها كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية وأصبحت بالكاد تستجيب للأدوية. وعند فحص المريضة تبين أن لديها خشونة متقدمة في مفصل الركبة (osteoarthritis) بدليل التشوه الواضح في المفصل والانتفاخ حول منطقة الركبة والآلام التي تشعر بها عند القيام بتحريك مفصل الركبة وكذلك وجود شعور بالخشخشة عند تحريك المفصل. وتبين بالأشعة السينية أن لديها خشونة من الدرجة الرابعة وهي درجة متقدمة يكون فيها أغلب الغضروف الذي يغلف المفصل قد ذاب مما يؤدي إلى أن تحتك وتصطدم العظام ببعضها البعض مسببةً الآلام خصوصاً عند القيام والمشي وصعود الدرج، وبعد شرح التشخيص للمريضة تم إعلامها بأن الحل النهائي والجذري هو عملية تجميل أو استبدال مفصل الركبة بغضروف صناعي ( total knee replacement ) لأن الجراحة هي الحل النهائي وتؤدي إلى إزالة الآلام بإذن الله. والمريضة لم ترق لها هذه الفكرة وكانت مستبعدة هذا الخيار تماماً ولا ترغب حتى في مناقشته. إذاً فالخيارات الأخرى هي إعطاء المريضة الأدوية المسكنة أو إعطاؤها الحقن الموضعية داخل مفصل الركبة (intraarticular injection) بالإضافة إلى العلاج الطبيعي والعكاز الطبي، وهنا أيضاً كانت المريضة مترددة ولا ترغب في تناول المسكنات ولا ترغب في الحقن الموضعية وذكرت أنها عملت جلسات علاج طبيعي سابقاً ولم تستفد منها ولذلك فهي لا ترغب في أي من الأشياء التي ذكرناها وإنما ترغب في علاج نهائي للمرض الذي أتت من أجله ألا وهو خشونة مفصل الركبة. وفي الواقع إن المريضة أو المريض في بعض الأحيان وعند هذه النقطة قد يشعر بالإحباط لأنه لا يجد حل نهائي وجذري ويفاجأ بأن الطبيب يعرض عليه العملية أو الإبر ذات المفعول الوقتي أو الحبوب التي هي أيضاً مسكنة وذات مفعول وقتي، وهذا الشعور بالإحباط يكون نتيجة جهل الكثير من المرضى عن طبيعة هذا المرض حيث لم يتم شرح ماهية المرض لهم، وبالتالي فهم يخرجون من طبيب ليزوروا طبيباً آخر بحثاً عن حل نهائي وجذري، وفي بعض الأحيان قد تقع هذه الفئة من المرضى تحت يدي طبيب لا يخاف الله قد يقوم بتعشيم المريضة بالآمال الوهمية بالشفاء التام بطرق غير التي ذكرناها سابقاً أو بطرق غير معترف بها طبياً أو غير مثبتة علمياً فيقوم بإرشادها لشراء الكثير من الأعشاب والبروتينات وغير ذلك من المواد الطبيعية التي بزعمه أنها تؤدي إلى الشفاء التام وهذه بالطبع تكون باهظة الثمن وحتى شركات التأمين لا تغطيها وأيضاً لا توجد في المستشفيات الحكومية مما يؤدي إلى إثقال كاهل هؤلاء المرضى جرياً وراء وهم مزيف ألا وهو علاج نهائي لهذا المرض. * ما هو مرض خشونة الركبة؟ - في الواقع إن هذا المرض هو شيء طبيعي مع التقدم في العمر فمثل أي جهاز أو آلة أو محرك يتعرض لعوامل الزمن ويقدم مع الزمن فإن مفصل الركبة أو أي مفصل آخر في الجسم يتعرض خلال سنوات العمر لضغوط مثل أي جزء في الجسم مما يؤدي إلى ظهور الخشونة. وهناك بعض العوامل التي قد تؤدي إلى تسارع ظهور هذه الخشونة مثل زيادة الوزن أو عدم الرياضة أو العيوب الخلقية في المفصل وفي الساقين أو التعرض للحوادث أو الكسور أو الالتهابات في المنطقة أو بعض العادات والتقاليد مثل الجلوس على الأرض لفترات طويلة في وضعية التربيعة، وغير ذلك مما يؤدي إلى ظهور هذا المرض بسرعة لدى فئة دون الأخرى، ولكن المحصلة الحاصلة هي أن غضروف العظام التي يتكون منها المفصل يتآكل وبالتالي تصبح أجزاء المفصل غير ناعمة ويؤدي ذلك إلى ظهور الآلام والأعراض التي ذكرناها سابقاً، ومتى بدأت هذه الأعراض بالظهور فإنها تتفاقم مع مرور الزمن وعندما تكون الحالة في البدايات فإنه يسهل التحكم في الأعراض عن طريق الأدوية والعلاج الطبيعي، وغير ذلك ولكن عندما تتفاقم الحالة وتصبح متقدمة فإن الأدوية والعلاج الطبيعي والإبر كلها قد لا تنفع ويضطر المريض إلى اللجوء للحل الجراحي. * هل هو مرض قابل للشفاء التام؟ - نقطة مهمة يجب على المريض أو المريضة والأهل استيعابها هي أن هذا المرض وخصوصاً في الحالات المتقدمة هو عبارة عن مرض مزمن ليس له حل أو علاج نهائي أو جذري، وهو مثله مثل الحالات الكثيرة من مرض ارتفاع ضغط الدم ليس له حل نهائي أو جذري أو دواء يتناوله المريض لمدة أسبوع أو عشرة أيام أو شهر ثم ينقطع عنه بل يحتاج المريض إلى الالتزام بالخطة العلاجية والتخفيف من تناول الملح والقيام بالتمرينات الرياضية وأخذ الأدوية التي تنظم الضغط مدى الحياة. أيضاً مثال آخر هو مرض سكري الدم فهذا المرض في الغالبية العظمى من المرضى لا يوجد له علاج نهائي وجذري وإنما يحتاج المريض لاتباع الحمية وممارسة الرياضة والامتناع عن تناول الحلويات وتناول الأدوية والعقاقير المنظمة للسكر في الدم مدى الحياة، والضغط والسكري لا يوجد لهما حل نهائي وجذري. إذاً فمرض خشونة الركبة هو مثل هذه الأمراض عبارة عن مرض مزمن ولا يمكن إعادة الغضروف لوضعه الأول وأقرب شيء لإعادة الغضروف لوضعه الأول هو عن طريق تجميل أو تلبيس أو استبدال مفصل الركبة الصناعي. * الهدف من الخطة العلاجية؟ - إذا ما علمنا وعرفنا أن هذا مرض مزمن ليس له حل بسيط فإننا يمكن أن نتعاون مع الطبيب لوضع خطة علاجية تؤدي في المقام الأول إلى إزالة الآلام وتحسن حالة المريضة وعودتها لممارسة الحياة بشكل طبيعي بإذن الله وأيضاً يجب أن تحتوي الخطة العلاجية على نقاط تؤدي بإذن الله إلى إيقاف تطور المرض. فمثلاً إذا ما كان المرض من الدرجة الأولى أو الثانية فإننا يجب أن نحاول أن نمنعه من التقدم إلى الدرجة الثالثة والرابعة والخامسة وذلك للحد من الأعراض التي تحدث، وللحد من احتمالية الحاجة إلى عملية مفصل الركبة الصناعي، وعادةً ما تتكون الخطة العلاجية في بدايات المرض أو مراحله المتوسطة من نصائح الهدف منها إزالة الإجهاد والعوامل التي أدت إلى ظهور المرض بالمقام الأول. فمثلاً يجب على المريضة أو المريض محاولة المحافظة على الوزن المثالي وممارسة الرياضة الخفيفة مثل رياضة المشي وعمل بعض التمرينات التي تقوي العضلات المحيطة بالركبتين وأيضاً استخدام الأحذية اللينة الصحية التي تمتص الصدمات وتخفف الضغط الذي يصل إلى مفصل الركبة. بالإضافة إلى ذلك فإن الوضعيات التي تسبب إجهاداً لمفصل الركبة يجب محاولة تفاديها مثل الجلوس في وضعية القرفصاء أو التربيعة لفترات طويلة ومحاولة تجنب صعود ونزول الدرج إذا ما توفرت السلالم الكهربائية أو المصعد. بعد ذلك يأتي دور الأدوية المضادة لالتهابات المفاصل والمسكنة للآلام والتي تقارب الثلاثين أو الأربعين صنفاً في الأسواق وتأتي على شكل عبوات مختلفة منها المراهم ومنها اللزقات ومنها الحبوب ومنها الأقراص القابلة للذوبان ومنها أيضاً التحاميل، والهدف من هذه الأدوية هو الحد من الآلام والحد من الالتهاب الذي يحدث في مفصل الركبة وهذه الأدوية يجب تناولها حسب حالة المريض وحسب حاجته وعدم الإفراط في تناولها فهناك بعض المرضى الذين يحتاجون أن يتناولونها أكثر من مرة يومياً وهناك من يحتاجون أن يتناولونها مرة في الإسبوع أو مرتين في الإسبوع. فالذي يحدد الجرعة والكمية هو شدة الآلام التي يشعر بها المريض أو المريضة تحت إشراف الطبيب لكي لا تؤدي هذه الأدوية إلى حدوث آثار جانبية شديدة، وبالإضافة إلى الأدوية المضادة للالتهابات فإن الأدوية المسكنة للآلام أيضاً ذات فعالية في تخفيف الآلام ومساعدة المريض أو المريضة لممارسة أنشطتهم اليومية بحرية. بالإضافة إلى ذلك فإن الربطة الطبية حول الركبة أو استخدام العصا الطبية عند المشي لفترة طويلة يساعد على تخفيف الضغط الذي يتركز على الركبتين وبالتالي إلى تخفيف الجهد والمساعدة على التقليل من زيادة المرض.