صدق المثل الشعبي القائل (احييني اليوم وموتني بكرة)، فهو مثل يبحث عن صحة واقعه قبل البحث عما سوف يحدث من تطور لهذا الواقع في الغد، والمثل يرفض الوعود البراقة التي تسعى لتغطية راهن فاض به الضيق فلم يعد قادرا على انتظار الغد. وبالنسبة لي، شخصيا، تنتابني حالة من الدهشة حيال الإعلان عن مشاريع مستقبلية براقة لأي مرفق خدمي، بينما واقع ذلك المرفق مترد حاليا ولا يمكن له أن ينهض من رقدته ولو بالطبل البلدي، وإذا جابهت المسؤول عن تردي وزارته أو مرفقه سارع بالإعلان بأن لديهم خطة مستقبلية سوف تزيل كل معاناة قائمة، ولكي لا يدان بتصريحه ذاك يضرب لك موعدا لما تفوه به بسنوات (قد تموت أنت أو هو قبل أن يظهر ذلك المشروع)، والأمثلة على هذا كثيرة وكثيرة جدا، سواء على مستوى الطرق الداخلية الطويلة، أو على مستوى المطارات، أو على مستوى تصريفات السيول أو الأمطار، أو على مستوى النقل العام، أو على مستوى المدارس، أو على مستوى تنظيم الأسواق.. كل هذه المشاكل يضرب لها موعدا بعيدا لكي تكون في أفضل حالاتها.. وحين تعلن وزارة الصحة عن خطة مستقبلية لإنشاء 100 مستشفى جديد وإضافة 33 ألف سرير خلال الخمس سنوات القادمة بحلول عام 1440، ويرافق ذلك الإعلان حزمة من البشارات التي ليس لها معنى في ظل تدهور وضع المستشفيات الحالية وغياب الخدمة المقبولة أو السرير الواجب توافره في الوقت الراهن وليس بعد خمس أو عشر سنوات.. فالواقع يجسد معاناة حقيقية لوعود خرجت من أفواه مسؤولين في وزارة الصحة سابقا؛ كمستشفى شمال جدة الذي لم يعمل إلى الآن بالرغم من كونه كان وعدا لتحسين الوضع الصحي في جدة، وقد مضى على إنشائه سنوات ومضت سنوات عليه من غير أن يعمل. في ظل هذه الوعود المستقبلية، نتمنى على المسؤولين الاكتفاء بإصلاح الواقع، أما مشاريع المستقبل فدعوها تتكلم عن نفسها حينما تظهر على أرض الواقع، وأن لا تكون مسكنا بعيد الأثر، فنحن متمسكون بالمثل الشعبي (احيني اليوم وموتني بكره).