أكد أمين عام مركز عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، على ضرورة الاتحاد لمناهضة العنف باسم الدين، حماية للتنوع الديني والثقافي في العراق وسوريا وغيرها من مناطق النزاعات، عبر إرساء قيم المواطنة المتساوية بين كافة مكونات هذه المجتمعات ونزع أسباب التعصب الديني والسياسي ومكافحة جميع أشكال إساءة استخدام الدين لتبرير العنف أو الحض على الكراهية. وقال في كلمة ألقاها أمس الأربعاء خلال اللقاء الدولي "متحدون لمناهضة العنف باسم الدين" والذي ينظمه مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات بالعاصمة النمساوية فيينا، مشيراً إلى تمزق أوصال المجتمعات الدينية في سوريا وشمال العراق وما يتعرض له مواطنو الدولتين من ظلم وقتل وتشريد على أيدي تنظيمات إرهابية اعتمدت العنف الديني والسياسي لتبرير جرائمها، استناداً إلى أفكار ومعتقدات غريبة لا تمت للأديان بأي صلة. وقال إن مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات يشعر بالفخر لاحتضانه هذا الجمع الموقر من القيادات الدينية والسياسية والخبراء الذين جاءوا من جميع دول العالم للتضامن لمناهضة العنف باسم الدين، الأمر الذي تعاني منه مناطق كثيرة خصوصاً العراق وسوريا، مؤكداً أن القيادات الدينية من مسلمين ومسيحيين ومندائيين وأيزيديين وغيرهم تجمعهم كثير من المشتركات الإنسانية التي تعبر عن انتمائهم لأوطانهم ومساواتهم في الحقوق والواجبات، مدللا بأن جميع مكونات وأطياف وشرائح المجتمع العراقي والسوري الدينية والعرقية هم من السكان الأصليين وليسوا غرباء ولا طارئين، ولذا يجب صيانة هذا الحق عبر المواطنة والتفاهم والتعايش ونزع أسباب التعصب الديني والسياسي والواقع على أي طرف كان والعمل على اندماج وتعايش الجميع والحفاظ على كرامتهم بغض النظر عن المعتقد أو العرق انطلاقاً من حقوق المواطنة وحقوق الإنسان. ولفت إلى تصميم المشاركين في اللقاء على التضامن لنبذ كافة أشكال العنف والتأكيد على ضرورة احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحرية والكرامة الإنسانية، مستعرضا مسيرة تأسيس هذا المركز كأحد آليات مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والتي أعلن عنها عام 2005م من مكة المكرمة. وتطرق بن معمر إلى فشل إدارة المشكلات والنزاعات عن طريق الحلول العسكرية دون غيرها وما يترتب على ذلك الفشل من فوضى وتطرف سياسي وديني وفكري في أماكن عديدة في العالم وظهور جماعات لها ولاءات خارج النطاق المحلي والإقليمي في بعض الدول، ما كان سبباً في صراعات كثيرة تم فيها استخدام الدين والسياسة بصورة تتعارض تماماً مع أخلاقيات وقيم دين ومعتقد خاص على غرار ما يحدث في سوريا وشمال العراق. وأكد على أن رسالة مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات هي الإسهام في صنع السلام عن طريق الحوار العقلاني الذي يجمع بين القيادات الدينية وصناع القرار السياسي من خلال توجيه القيادات الدينية والفكرية إلى مهارات الحوار والاتصال وانجاز خارطة عالمية لمشاريع السلام وعبر شراكات منتجة مع كثير من المؤسسات الدولية والقيادات الدينية والثقافية في كثير من دول العالم.لافتاً إلى نجاح المركز خلال العامين الماضيين بالعمل من خلال مع 45 رجل وامرأة من 25 دولة في تنظيم أكثر من 45 لقاءً شارك فيها أكثر من 3 آلاف من القيادات الدينية والنخب السياسية فيما يزيد عن 100 دولة، منها 9 مناطق تعاني من النزاعات المحلية، بالإضافة إلى تدريب قرابة الـ250 مدرباً معتمداً للحوار مع الحرص على مشاركة الشباب في جميع الأنشطة والبرامج الحوارية. ورأى بن معمر أن الطريق لا يزال طويلاً لتحقيق مزيد من الانجازات خاصة في مناطق النزاعات في مناطق مثل أفريقيا الوسطى التي سعى المركز جاهداً للمساهمة في حل نزاعاتها، موضحاً استمرار جهود المركز لإيجاد نموذج للتعاون والمواطنة بين المسلمين والمسيحيين وغيرهم في بعض البلدان العربية، ودعم المواطنة بين المسلمين والمسيحيين وغيرهم في العراق وسوريا والذين تجمعهم مشتركات كثيرة، وتتضافر إسهاماتهم جميعاً في صنع النسيج الثري لحضارة هذه الدول قديماً وحديثاً. كما ألقى وزير الدولة للشؤون الخارجية د. نزار بن عبيد مدني، كلمة قال فيها إن ربط العنف والإرهاب باسم الدين قصور وتضليل لمهمة الرسائل السماوية الخالدة التي تتفق على إدانة كل فعل يضر بالإنسان وبيئته وحياته أيا كانت عقيدته أو طائفته أو جنسيته، مؤكداً أن زيادة وانتشار أعمال العنف والإرهاب بصورة لافتة للانتباه أمر يدعو للتوجس وأن هذه الأعمال لم تعد موجهة ضد فئة أو مجتمع أو دولة بعينها وإنما أصبحت شراً مستطيراً يستهدف العالم بأسره وهو ما يجعل المتخاذلين عن مواجهته يدفعون الثمن غالياً، بل وسوف يكون في مقدمة ضحاياه حتى وإن ظنوا أنهم بعيدون عن خطره، لأن الإرهاب والتطرف يحمل في ثناياه فكراً تدميرياً لكل عوامل الخير والتسامح والبناء والإصلاح والتعايش ولكل القيم الإنسانية النبيلة. واستعرض مدني نماذج من جهود المملكة في مكافحة الإرهاب باعتباره ظاهرة عالمية تهدد أمن المجتمع الدولي واستقراره. ودعا د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي أمين عام رابطة العالم الإسلامي، في كلمته، إلى ضرورة التضامن بين القيادات الدينية وصناع القرار السياسي للتأكيد على التصدي لكثير من الظواهر السلبية وفي مقدمتها العنف والإرهاب والتطرف والجدية في جعل الحوار طريقاً لبناء منظومة قيمية عادلة قادرة على مواجهة الأزمات والتحديات التي تؤثر على المسيرة البشرية، مؤكداً على أن العنف ظاهرة قديمة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ والتي تكشف صفحات المدون منه عن شواهد لشعوب استضعفتها سلطات متجبرة غازية أو محلية أرغمتها على دفع أبنائها الأبرياء لأتون العنف، ودعا الى التركيز على مناقشة الأسباب التي أسهمت في تكوين ظاهرة العنف. وألقى الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات ناصر عبدالعزيز النصر كلمة اثنى فيها على مبادرة مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات لتنظيم اللقاء الدولي "متحدون لمناهضة العنف باسم الدين" وجمع القيادات الدينية وممثلي المنظمات الدولية وصناع القرار السياسي في هذا الوقت المهم والذي تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية ظروفاً بالغة الصعوبة بسبب العمليات الإرهابية التي تحدث في عدد من الدول مثل العراق وسوريا،مؤكداً على أهمية هذا اللقاء لإيقاف خطر آفة الإرهاب والتي يعاني منها العالم أجمع وإيجاد حلول علمية للقضاء على كل ما يغذي الإرهاب والتطرف ويهدد الأمن والسلم. وتتالت كلمات الافتتاح بالكلمة لكل من غبطة البطريك لويس رافائيل ساكو بطريرك الكنيسة الكاثولكية الكلدانية ثم كلمة الأب ميغيل أيوزو ممثلا للفاتيكان. ثم بدأت حلقات النقاش حول الترابط الاجتماعي والتنوع والتعايش وكيفية التعامل مع آثار العنف في المنطقة ونوعية المشاريع المقترحة والبرامج وتحديد التحديات الراهنة وكيف يمكن إيجاد تعاون بين القيادات الدينية وصانعي القرار السياسي لدعم الترابط الاجتماعي وتقديم الإغاثة للمتضررين وكيف يمكننا جعل أجيال المستقبل تحتفي بالتنوع. وناقشت الحلقة الثانية دور المؤسسات الدينية والمجتمع المدني في بناء السلام وكيف يمكن تصويب خطاب العنف والتحريض الذي يستخدم فيه الدين لاشعال الفتن وكيف يمكن الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في ترسيخ الأمن وكيف يمكن التوفيق بين حرية التعبير والحد من خطاب العنف والكراهية وكيف يمكن المحافظة على التنوع الديني وترسيخ المواطنة. وحظيت مناقشة دور الدين والتعليم في مواجهة العنف بنصيب وافر من المناقشات لتعزيز التفاهم والتعاون والتعايش بين مكونات المجتمع، حيث ناقش المجتمعون دور التربية الدينية والتعليمية في احتضان التنوع وترسيخه وكذلك الادوات المستخدمة لمساعدة المهجرين واللاجئين وكيف يمكن تعزيز الحوار بين الفئات التي عانت من التطرف وارتباط مشروع تثبيت الأمن والسلام عبر تطوير التعليم ودعم المناهج بأدوات تشجع على ترسيخ المواطنة والاحتفاء بالتنوع.