الطريق للدالوة معبّد بالحزن. الصمت مكدّس في زوايا البيوت وبين الأشجار. الحركة في الشوارع شبه متوقفة، وبدلاً من الأطفال الذين يلعبون كانت سيارات الدوريات تحوم في الأزقة لحماية المواطنين. وصلتُ لمخيم النساء. الوجوه ذاهلة وحزينة، استقبلتني إحدى المنظِّمات وقادتني للمجلس بكل هدوء ووقار. وعرّفتني بقريبات الشهداء، أخواتهم، وأمهاتهم. ومما فهمته أنّ الجميع يعود في نسبه للآخر بشكل ما. بعدها دار حديث أشبه ما يكون لندوة تناولت عدة محاور. المحور الأول: الحدث، وقعُه على القرية والناس. المحور الثاني: ما بعد الحدث، سرد لبعض تفاصيل أثر الحادثة الأليمة على الناس والأطفال. قالت إحداهن: الأخ الأصغر لأحد الشهداء مازالت تزوره الكوابيس ويصحو فزعاً: دم، دم! قصص كثيرة جمّعت كثيراً من البكاء في صدري. لكننا انتقلنا لمحور ثالث: وهو البحث عن الأسباب ومحاولة تسويرها وحجبها. قالت إحدى المنظمات: نطالب بتجريم الطائفية وإيقاف كل منبع للتحريض ضد الشيعة. وأكدت بقية السيدات كان من ضمنهن طالبات جامعيات ذلك. وطلبن مني التواصل مع أي مسؤول لإيصال صوتهن. أخبرتهن أنّ القانون مازال على طاولة نقاش مجلس الشورى وأنّ الدكتور عبد العزيز العطيشان لديه مساعيه الجادة في هذا الصدد. وأنّ المجتمع السعودي بجميع أطيافه وبقياداته اليوم متيقظ تماماً لمسألة الطائفية، وهناك أصوات سنّية وشيعية تبذل جهدها للتصحيح سواء الاجتماعي أو السياسي. ولكننا بحاجة ماسة لتوطئة الأمر ونشر ثقافة الاندماج الاجتماعي عن طريق فهم طبيعة التطرف لدى الطائفتين (السنّة والشيعة) على حد سواء ومعالجته. كان هذا مدخلاً للمحور الرابع وهو: محاولة بعض الطائفيين لاختطاف مهرجان اللحمة الوطنية بعد واقعة الدالوة. فقد عرّجتُ بالحوار معهن عن وجود بعض الطائفيين من الفريقين حاولوا ـ بشكل ما ـ التصيُّد في الماء العكر وتأجيج الطائفية على هامش مهرجان الجمعة لتأبين شهداء الدالوة، الذي استقطب المشاركين من أنحاء المملكة. قالت إحداهن: لم نشهد في الدالوة أي ردة فعل من هذا القبيل. لا من الشيعة ولا حتى من إخواننا السنّة. الجميع كان متكاتفاً ومتضامناً ضد الإرهاب. فعدتُ لأوضح سؤالي وذكر بعض الأمثلة: ناشط شيعي نشر صورة لجنود سعوديين يدخلون الحسينية بأحذيتهم وعليها عبارات تحريضية، رغم أن كل الفتاوى الشيعية تجوّز دخول الحسينية بالحذاء. آخر غرد بـ: كل من حرّض ضد الشيعة لا نريده في تشييع ضحايا الإرهاب. كما قام أحدهم بتداول تعميم وزارة الشؤون الإسلامية بعد إحاطة كلمتي (قتلى المواطنين) و(شهداء الواجب) لأجل إثارة الحس الطائفي باتهام الدولة بالتفريق بين قتلى الشيعة والسنّة. كما قام طائفيون سنّة بتداول لطمية في الدالوة يوم التشييع يردد فيها المعزّون: (لا نواصب، لا أمية، لا يزيد). وأيضاً غرد البعض بتغريدات تؤيد قتل الشيعة. فعلّقت إحدى الفتيات أنه لم يحدث شيء من هذا القبيل في الدالوة. وأنهم تلقوا مؤازرة من الجميع. وأكدت قريبات الشهداء والمنظمات ذلك. في نهاية الحديث أصرت أم مؤيد (إحدى المنظمات) وبقية السيدات الكريمات على بقائي للعشاء فاعتذرت منهن لارتباطاتي. مضيتُ للخارج وسط احتفاء كبير وتراحيب لم تتوقف. وقام أحد المنظمين بتوصيلي لمحطة القطار. على الكرسي وضعتُ حقيبتي بجانبي. وغرقتُ في دموع انفجرت بغتة!