×
محافظة مكة المكرمة

عام / مدني طائف يحذر المواطنين والمقيمين من التنزه في بطون الأودية

صورة الخبر

كنتُ أشاهد فليمًا تدور قصّته حول دُبّة وطفليها خلال شهور من حياتهم معًا. في هذه الفترة علّمتهما الأم أشياء كثيرة، كالصّيد، تسلُق الأشجار، كيف يحميان نفسيهما عند مواجهة الخطر. وفي يوم ما أوحت الغريزة الطبيعية للدبّة الأم أنّ الوقت الذي يجب أن يعتمد فيه الصغيران على نفسيهما قد حان، فطلبت منهما أن يتسلّقا أحد الأشجار، ثم غادرت دون أن تلتفت إليهما. لقد ذهبت بعد أن أدركت أن مسؤوليتها تجاه صغيريها قد انتهت، وأنّ عليهما أن يشقا طريقهما في الحياة معتمدين على نفسيهما. رحلت الأم دون أن تطلب منهما ردّ الجميل الذي قدّمته لهما في الماضي، ولم تتهمهما بنكران الجميل. في مملكة الحيوان واجب الوالدين هو تعليم صغارها الاعتماد على النفس، وتحمّل المسؤولية. أمّا في عالم البشر فإنّ ميولنا تدفع البعض إلى الشعور بأن الأبناء هم مِلْك لهم، يختارون لهم وعنهم كلّ شيء وكأنهم يعيشون حياة جديدة من خلال حياة أبنائهم، فيسلبونهم حقّ الاختيار، واتخاذ القرار، وتحمّل المسؤولية. إنهم بفعلهم هذا يجعلون الابن -بطريق مباشرة أو غير مباشر- يبقى طفلًا طوال حياته!! فيكبر هذا الطفل في العمر والثقة في النفس مزعزعة فيه، والشعور بالنقص يكبّله، فهو لا يشعر بالكفاءة ولا يستطيع الاعتماد على نفسه، ولا يمكنه أن يتخذ قرارًا، ولا أن يتحمّل مسؤولية، وإن هو حاول فإن شعوره بالذنب يردع محاولاته أن تتكرّر لأنه يظن أنه بذلك يخرج عن دائرة رضا الوالدين، وأن السخط سيكون نصيبه، وأن العقوبة الدنيوية والأخروية تنتظره. لأنّه تربّى على فهم خاطئ لرضا الوالدين، وتصوّر مشوّش عن حقيقة العقوق وصوره، فظن أنه إن فعل أي أمر دون موافقة الوالدين ومباركتهما فإنه عاق لا محالة، خارج عن الرضا ومستحق للعقوبة، وينسى الوالدان أن الاستقلالية هي رغبة غريزية في الإنسان، واحتياج يسعى يومًا بعد يوم إلى تحقيقه وإشباعه في محاولاته لأن يأكل بنفسه، ويرتدي ملابسه دون مساعدة، ولا ينفّك يعبّر عن سعادته كلّما استطاع أن يفعل شيئًا بنفسه وينجح في ذلك. إن الأسرة هي بيئة الاحتضان الأولى والأهم في حياة الإنسان، وينبغي ألاّ تجعل علاقتها مع طفليها تستمر على نفس المنوال مدى الحياة، وألاّ ترسّخ بداخله الشعور بالذنب إذا ما حاول ممارسة استقلاله النفسي. فهناك فارق عظيم بين الأسرة التي تنمّي لدى أبنائها الاعتماد على النفس، وتحترم تفرّده واستقلاليته الغريزيّة، وبين الأسرة التي تحطّم ذلك وتملأ حياة الطفل بتحديها له وبأنّه لا يمكنه العيش بدونها وأن طاعة الوالدين أشبه بعبودية أخرى مطالب بها وإلاّ فإن مصيره عقاب الله. إنّ الأسرة الصالحة هي تلك التي لا تفعل كلّ شيء لأطفالها، وإنّما تدعمهم وهم يبنون ثقتهم بأنفسهم ويقومون بما عليهم القيام به، ولا تلبّي لهم كافة المطالب لكي لا تسيطر عليهم الاتكالية. إن كثيرًا من الآباء والأمهات يقومون بكل شيء لأبنائهم، ويلبّون لهم كافة مطالبهم يدفعهم إلى ذلك رغبتهم في توفير الأفضل لأنهم قاسوا كثيرًا ولا يريدون أن يقاسي أبناؤهم مثلهم، وينسون أن التجارب بحلوها ومرّها هي تصقل شخصية الإنسان وثقته بنفسه. ومنهم من يقول بذلك ظنًا منه أنه إن لم يقدّم كل شيء للأبناء فإنه سيكون أبًا فاشلاً أو أمًّا فاشلة. فيعطي الإتكالية مسوّغاً لتفترس مساحات في شخصية الأبناء، ويمنح الشعور بالذنب سوطًا ليجلده إذا ما تأخّر يومًا عن تلبية رغبة ابنه، أو عجز عنها. وما كان بالأمس يتكرّر في الغد، وما فعله الآباء بالأمس سيكرّره الأبناء في الغد، فالأبناء يتعلّمون كيف يتصرّفون من خلال سلوك والديهم. وغالبًا ما يكرّر الإنسان نمط التربية التي تربّى بها لأنّه النمط الذي عرفه، ولأنه لا يوجد نمط آخر يعدّ النموذج الأمثل. حينما يسأل الوالدان نفسيهما: ماذا أريد لأطفالي؟. فإن الإجابة الصحيحة على هذا السؤال سيعطي الطريقة الصحيحة للتربية. وماذا أريد من أطفالي؟ سؤال آخر يحدّد أي نوع من العلاقة ستنشأ. هل هي علاقة الطاعة حتى العبودية؟ أم الحب والرضا المرغوب من جميع الأطراف والذي يمنح ولا يطلب؟. إن التربية الصحيحة هي التي تقوم على التنمية لكلّ شيء: الحب، العطاء، الاستقلال، الشعور بالمسؤولية، الثقة بالنفس، والكثير مما نحتاج لتنميته. فالتربية هي التنمية والتهذيب، والتنمية تكون للقوى الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية والخُلقية كي تبلغ كمالها. كثير منا غفل التنمية وانصرف إلى التهذيب بصوره كلها حتى الشاذ منها. alshaden@live.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (46) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain