في قديم الزمان وسابق الأعصر والأوان، كانت كلمة (الإرهاب) تعني لغةً (التخويف) فقط لاغير، واصطلاحاً أن تكون لديك القوة والمقدرة والسلاح والعتاد لكي تكون مخوف الجناب حرام الحمى، وهذا بالضبط والتحديد ما ورد في الكتاب العظيم «وأعدوا لهم ما استطعتم من قو ة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ». الملاحظة الدقيقة العجيبة المعجزة أنّ كُلاًّ من المعنيين اللغوي والاصطلاحي لم يشتمل على الاعتداء ولم يقصد القتل ولم يُشِرْ إلى التصفية والمصادرة ! الآن وفي أمد من الأزمنة المعاصرة، تحولت كلمة الإرهاب إلى مدارج العنف، وخرجت من معناها البكر إلى مراتع الاعتداء والظلم، واستقرت على مقاصد القتل وإزهاق الأرواح والتعدي على حرمات الله في خلقه، ومن هنا ولهذا التحول البشع في المعنيين اللغوي والاصطلاحي وموت الأصل والجذر الثقافي، تَصَوّر كثير من بني آدم واعتقدوا بأن الإرهاب لغةً واصطلاحاً وُلِدَ فُجَاءَةً مع دراما الاعتداءات والحروب وسفك دماء الخلق وشهوات الأنفس المعتلة وتوقها إلى أجواء الاجتثاث والإبادة، والواقع الناصع يشير إلى أن الإرهاب بما يعنيه الآن وُجِدَ منذ أن قام (قابيل) بمصادرة حق (هابيل) في الحياة، وسَنّ بذلك سنة هي أكثر سنن بني آدم بشاعة ومقتاً على الإطلاق، ولذلك قررالخالق العظيم في الكتاب المقدس « أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا». الشيء الذي أصاب البشرية بالإحباط والغثيان وكره الحياة وأدى بكثير منهم إلى التخلص من وجوده في تحولات الإرهاب هو: أن الإنسان أمسى لا قيمة له ولا حرمة، وتحول إلى فقرة تافهة رخيصة يمكن بالسهولة كلها أن تُحْرَقَ وأن تُبَادَ وتُصفّى في لحظات، وهذا معناه المفرد الخالص انعدام الأمن والأمان في الحياة، أو لِنَقُلْ: انعدام الحياة الحقيقية برمتها، فما الذي يتبقى للإنسان في أجواء الإرهاب من معاني الوجود والبقاء؟. الأمن في الحياة هو سر العمل والإبداع والبناء وهو مُنْبَثَقُ ذلك البريق الأزلي في الزمان والمكان، وبغيره لا إرادة الحياة متوهجة كما ينبغي ولا التفكير مُنْعَتِقٌ من غوائل الشلل والعجز والمستحيل. من المؤسف المؤلم أن يتحول الإنسان ذاته ضمن تحولات المصطلح والمضامين إلى قصة من قصص التصحر والفناء، وإلى رواية لا يسجلها سوى سفر الانقراض المجاني. كل ذلك دون أن يمسك التحليل والتعليل والتفسير بسياق تباركه قراءة الأسباب وفلسفة الحلول. لماذا؟ لأنه منذ أن سجل الإمام الشافعي رضي الله عنه حكمته البالغة (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب)، ثم منذ أن زلزل (ديكارت) مداميك اليقين لدى المتعصبين، ثم توصلت النظريات واستقرت الفلسفات إلى (القبول باحتمالية العالم) لم نمسك - مع بالغ الأسى والأسف - بأي ثمرة تجعل متشددي الأمم ومتعصبي الشعوب وعصابات التشفي، ومجانين المذاهب والمعتقدات يمسكون بغصن واحد من أغصان السلام مع الآخر أياً كان طعمه ولونه ورائحته !! بصدق.. لا يمكن بأي حال ولا بأي فلسفة أن أتصور وجه المستقبل وشكله في كنف تحولات لا تمنحني الفضاء الإنساني الحقيقي، وإنما تؤدي بالمصطلحات وبالقضايا وبالفلسفات وبكل احتمالات التفكير إلى عنق الزجاجة.