في ناصية الشارع العتيق يرفع عقيرته بالنداء « ثلاثة ريال كيلو 14»، يقولها ونظراته تعيش فسحة من أمل، يمضي بالعابرين إلى مقاصدهم ليعد غلة اليوم بيدين يملأهما العرق والفرح. حافلات خط البلد بلونها البرتقالي الصارخ وبمنبهها المزعج والمستفز للمارة تملأ موقف باب مكة ونظيره باب شريف وأصوات محركاتها تضج منها الأرصفة والطرقات كما لو أنه محرك طائرة نفاثة. وعلى رصيف الانتظار يتمتم أبو عبيد بأغنية شعبية من موروث جدة ويقبع منتظرا أن تكتمل مقاعد حافلته ذات الـ23 عاما منذ دخولها الخدمة، «اضطر لأن أوصل الزبائن حتى لو كان عددهم لا يتجاوز 5 ركاب».. بهذه العبارة بدأ أبو عبيد حديثه لـ«عكاظ».. وأضاف: أعمل منذ سنوات طويلة في هذه الحافلة التي أملكها وخط سيري من البلد إلى كيلو 14 وأغلب الركاب من الأجانب الذين يفضلون الاقتصاد في النفقات ذاهبين إلى أعمالهم أو إلى المراكز التجارية، ويشير إلى أنه بالاتفاق مع أصحاب الحافلات تم عمل تسعيرة جديدة حيث أصبحت 3 ريالات بدلا من ريالين في السابق وذلك للحاق بنفقات الوقود وغيرها. وعلى الخط ذاته يتكئ العم سليم عبدالله على مقود حافلته في انتظار الركاب، ويقول صاحب الستين عاما: تزعجني بعض المضايقات من الشباب الذين يستهتر بعضهم أثناء قيادة الحافلة ولا يلتزم بآداب الطريق، ويضيف: العمل الآن في هذا المجال لم يعد كالسابق فقد خف كثيرا نتيجة تطور النقل وارتفاع مستوى الدخل وتعدد السيارات في البيت الواحد، ويلفت إلى أنه يتمنى أن تكون هناك تراخيص لشراء حافلات جديدة لان هذه القديمة باتت تزيد في مصروفاتها وحاجياتها، وبين أن هذه الحافلات فتحت وما تزال الكثير من البيوت وصرفت على كثير من العائلات وهو بنفسه ما زال يأخذ مصروف بيته منها بقناعة ورضى ويعمل بها لعشر ساعات متقطعة على مدار اليوم، ويستطرد: هناك من يستأجر الحافلة مقابل 160 ريالا في اليوم أو أكثر بدخل يصل إلى 400 ريال في اليوم بحسب العمل. ولا يكاد الركاب يتقاطرون على الحافلة إلا وابتسامة العم علي ترتسم على شفاهه معلنة بدء يوم جديد من الحصاد. ويعتبر الشاب فهد المعافي أن والده صرف عليهم من الدخل الذي تؤمنه الحافلة التي يصفها بـ«الخربانة» كونها تتعطل بشكل مستمر، ويواصل قائلا: اليوم أصبحت أنوب عن الوالد كثيرا وأقودها بغية أن أريح والدي بعد عناء كل هذه السنوات بالإضافة إلى توفير مصروف منها.