التوظيف في قطاعات الدولة ومؤسساتها حق عام ينبغي أن يبتعد عن أي معايير ذاتية للمسؤولين، فالوظائف التي يمكن أن تتاح يفترض أن تتم وفقا للمطلوبات الفعلية، وبحسب الشروط التي تتعلق بالقدرات والكفاءات، وفي حالة الخروج عن هذا المبدأ من المؤكد أن نحصل على خدمة مترهلة لن تستطيع مواكبة أي تطورات أو مواجهة أي تحديات ذات صلة بالممارسة الإدارية والفنية المؤهلة. وقد التمست مؤخرا معاناة بعض موظفي الجمارك، لا أعتقد أنهم من واقع الخوف من النتائج يتحدثون بصراحة متناهية عن أوضاعهم الوظيفية قدر حديثهم عن معاناتهم نتيجة توظيفهم أو إيقاف توظيف بعض الذين تقدموا للعمل فيها، والمشكلة التي توقفت عندها تختص بخريجين جامعيين تم توظيفهم في المصلحة، وبعد ذلك تم إيقاف توظيف الجامعيين لتكتفي المصلحة بتوظيف حملة الثانوية. أي مرتبة تعليمية متقدمة لها حضورها المؤكد في أولوية التوظيف والحصول على أداء أفضل، ولذلك من الطبيعي أن نفترض أن أداء الجامعيين أفضل من الثانويين وهكذا، وحين تعمل المصلحة على توظيف ثانويين، فمن المؤكد أن أداءهم سيكون بحسب قدراتهم وحصيلتهم التعليمية، والأسوأ أن يتم التوظيف سواء للجامعيين أو غيرهم دون دخولهم دورات ذات صلة بالعمل الجمركي وتخصصهم فيه، وذلك يعني أن من يرغب في تطوير قدراته والتفاني في العمل أن يسلك طريق التدريب الذاتي، وذلك ما فعله بعض الموظفين. لا أعلم ضوابط مصلحة الجمارك بالضبط فيما يتعلق بشغل وظائفها، ولكن هناك مشكلة حقيقية من واقع ما استمعت إليه، إذ يقتصر التوظيف في أغلب الأحيان على أبناء منطقة معينة، دون اعتبار لمبدأ الأهلية والكفاءة، وإن صح ذلك فإننا في ذات الدوامة البيروقراطية التي تحجب الشفافية عن الممارسة الإدارية العامة، وتتدخل الواسطات والمجاملات في التعيين بعيدا عن شروط الخدمة المدنية الأساسية. جزء كبير من معاناة الموظفين الجدد، أجدها ترتبط بعدم توفير سبل الراحة من خلال توفير بيئة عمل مثالية لعمل حساس ومهم مثل الجمارك، فالذين يعملون في المناطق النائية لا يجدون أبسط مقومات الحياة، فهناك مناطق لا توجد فيها صيدليات، وإذا لا قدر الله، تعرض أحدهم لعارض صحي طارئ لا يعرفون ماذا يفعلون في الوقت الذي يسدون فيه إحدى أهم الثغرات التي تحمي بلادنا من أخطار التهريب. وتتمدد المعاناة لنجد وجها آخر بعدم توفير السكن بالنسبة للعوائل، إلا لعدد قليل وعن طريق المحسوبيات التي تشمل أيضا الانتدابات إلى منافذ أخرى رغم أنها حق من حقوق الموظف، وفي ظل ظروف كهذه لا بد وأن تتأثر قدرات الموظفين، فالأبعاد المعنوية مهمة للغاية في عمل الجمارك، ومطلوب من أي إدارة جمركية أن تعمل وفقا لمبدأ الأسرة الواحدة؛ حتى يرتفع مستوى الإنتاجية، ويشعر الموظفون بتقدير مديريهم وإداراتهم لما يقومون به، وأنه ليس واجبا روتينيا مهملا ولا يرقى لمستوى حماية البلاد من مخاطر تهدد أمنها الاقتصادي. من جانبي، أحسن الظن بمصلحة الجمارك، وما وجدته من أوجه معاناة لبعض موظفيها جانب من إخفاق يمكن السيطرة عليه وتسويته؛ لأنه سهل، فتأخير صرف مكافآت ما يتم ضبطه لسنوات أمر في يد الإدارة، ويمكن أن تجد له معالجات مالية سلسة مع وزارة المالية، ولا يمكن أن ترقى عقوبات الشكوى والتذمر من تأخر الحقوق والمعاناة الوظيفية إلى النقل إلى منفذ حدودي آخر وكأنه منفى أو وسيلة عقاب؛ لأن كل المنافذ تتساوى في الواجبات والأهمية، كما أن عقوبات مثل الحرمان من الدورات إن وجدت ليس مجديا وغير عملي؛ لأنه إفقاد لجهد يطور ويرفع الكفاءة، وبذلك تبدو المصلحة وكأنها تعاقب نفسها بنفسها، ودون الخوض في تفاصيل من راسلني أو من أين عرفت ذلك، نأمل أن تستوعب المصلحة بعض تلك المعاناة وتبتكر معالجات وظيفية ومهنية مقدور عليها تطور موظفيها والعمل بها، فرفع الإنتاجية دائما في المبدأ الاقتصادي يرتبط بالحوافز المادية والمعنوية، وذلك ما نطمح أن تصل إليه المصلحة وتجعله أمرا واقعا دون تتبع من ينقل تلك المعاناة.