الداعشيون يرون أنهم هم الأصوب ديناً والأصح عقيدة، وأنهم من ينبغي أن يوكل إليهم إقامة دولة الإسلام وإعادة أمور الشرع والحياة الدنيا إلى نصابها. عندما كنا طلبة في الجامعة كنت وأصدقائي نقرأ الكتب ونتبادلها بيننا، ومن ذلك كتاب كفاحي للمستشار الألماني للرايخ الثالث أدولف هتلر. وعلى الرغم من هشاشة الترجمة التي حالت دون إيصال المكون التعبيري الدقيق للبنى الدلالية للنص المترجم، إلا أن محاولة استقراء ولو بعض فكر هذا الرجل عبر قراءة كتابه قد كانت هي الفكرة الأكثر حضوراً. رحل هتلر، فكان من تداعيات مرحلة حكمه الفاشي أن شكلت الدول المنتصرة محاكمات روزنبرج وأعدمت عشرات من جنرالاته ومساعديه، في حين خرج اليهود بقصة الهولوكوست مطالبين الضمير العالمي بوطن قومي يضمهم من الشتات، وكذلك بالتعويض المادي من ألمانيا كونهم قد شكلوا كبش محرقة لزعيمها النازي وزمرته الفاشية. هذا الأمر قد شكل محفزاً للعالم الأول -بالإضافة إلى عوامل عديدة أخرى- كي يسعى جاهداً إلى تسليم فلسطين للصهيونية العالمية. وهكذا رحل هتلر منتحراً وبقي اليهود ينحرون في كل يوم مزيداً ومزيداً من أبناء فلسطين المحتلة. أتذكر جيداً أن إحدى الفلسفات المشكلة للفكر البنيوي للرايخ الثالث قد كانت مستمدة من المعتقدات الكلاسيكية للفكر الجرماني، التي ترى أن أصحاب الدم الأزرق هم الأكثر تفوقاً من الناحية الإثنية بين بني البشر. وأن نقاوة عرق الفرد تقاس بمقدار تباعد المسافة بين مفصل الورك والركبة. هذه النظرة الضيقة المتسمة بالسخف للذات، قد قادت ألمانيا إلى إدخال العالم في معمعة حرب كونية مدمرة. والمفارقة الباعثة على السخرية أن من بين الذين كانوا ضحايا لهذا الفكر الإثني المغرق في التطرف هم اليهود، الذين كانوا من جانب آخر يؤمنون في ذات الوقت بأنهم الجنس السامي بين سكان العوالم المتحضرة. إيمان فاشيي الرايخ الثالث بتفوقهم العرقي، قد جعلهم يسعون إلى إخضاع العالم وقمع يهود ألمانيا، في ذات الوقت الذي جعل اعتقاد اليهود بسامية جنسهم وأنهم شعب الله المختار، أن يعملوا جاهدين لبسط نفوذهم على الشرق الأوسط، وأن يسعوا إلى إبادة العرب واحتلال أراضيهم في حرب 1948 وحرب 1967م. وعندما نوجه أنظارنا صوب العراق والشام، فإننا نجد أن تنظيم داعش يعاني من ذات اللوثة ولكن بِمُشَكّل فلسفي مغاير للفاشية ولليهودية العالمية. فهؤلاء الداعشيون يرون أنهم هم الأصوب ديناً والأصح عقيدة، وأنهم من ينبغي أن يوكل إليهم إقامة دولة الإسلام وإعادة أمور الشرع والحياة الدنيا إلى نصابها، وفي ذات الوقت يصفون غيرهم من المسلمين بأنهم على غير هدى. بل إنهم قد عمدوا إلى القضاء على بعض الطوائف الدينية في العراق معتقدين أنهم يمارسون جهاداً فقتلوا الرجال وسبوا النساء واجتبوا الأموال. ولا أعتقد أن حادثة الأحساء الأخيرة التي راح ضحيتها بعض مواطني هذا البلد من إخواننا الشيعة، ببعيدة عن ذات الفكر. فمنفذو الهجوم كانوا نتاج عمليات شحن وفتاوى مضللة، وهو الأمر الذي جعلهم يعتقدون أنهم يمارسون جهاداً. في حين أنهم يقتلون إخوة لهم في الدين وفي الوطن. ويسهمون في إثارة مشكلات طائفية وإذكاء نار حرب أهلية أجارنا الله من شرورها. إن إيمان الفرد بأنه يشكل استثناء عن مجمل المكون البشري لهذا العالم، أو أنه فقط من يمتلك الحقيقة وعلى الصواب، هو ما يدفعه غالباً إلى التطرف ويجعله يسعى إلى ارتكاب عديد من المجازر والإساءات لغيره من بني الإنسان، وبالعودة إلى العقل وبمطالعة النص الديني ستجد القرآن والثابت من الحديث كلها تحث على احترام آدمية البشر وحماية أموالهم وذراريهم، بغض النظر عن معتقدهم وإثنياتهم. فمتى أيها الإنسان ستُعْمِل عقلك وتغمد سيفك؟!