الأحجية التي بدأت بكيف تندر الأراضي السكنية في دولة بحجم قارة بدأت تتضح ملامحها، بداية يجب الاعتراف بجملة حقائق منها: أن أكثر من ثلثي المواطنين لا يملك سكنا، أكثر من 40% من دخل هؤلاء يذهب للإيجار، إن احتكار القلة هو المسيطر على أكثر الأراضي غير المستغلة، وأن كثيرا منها تم السطو عليه بطريقة بدليل ما تكشف خلال الأيام الماضية من صكوك مزورة، والأمل أن يستمر الكشف، آخرا وليس أخيرا إن وزارة الإسكان وحدها وبكل برامجها المتنوعة لن تتمكن من حل المعضلة. تذكرون أيام تشكيل اللجان الملكية لإنجاز مهام حيوية، أرجح أننا في حاجة لهذا، فمشكلة الإسكان تخص أغلبية السكان، بجانب تبعاتها الاجتماعية وتعطيل النمو الطبيعي للأسر، وربما سلم قيم المجتمع وسلمه الاجتماعي. مقترح رسوم الأراضي البيضاء، والذي لا أعلم لم تعطل كل هذه المدة لدى المجلس الاقتصادي الأعلى، لن يحل وحده إشكالا، وأعيد طرح مقترحي السابق بضرورة استغلال هذه الأراضي الشاسعة لما فيه مصلحة العموم، وإن ضحينا ببعض مصلحة الخصوص، مبررنا الشرعي واضح ما فعله الفاروق عمر، رضي الله عنه، مع المتملك أرضا بإذن من صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام، ومبررنا الوطني جاهز المصلحة العامة، ويمكن تنظيم عملية استثمار هذه الأراضي بعدة طرق إدارية لا يداخلها الاحتكار. وحقيقة لا نحتاج لجنة عليا لحلحلة معضلة الإسكان، ولو فكرت وزارة الإسكان خارج الصندوق ستكتشف أنها مشكلة إدارية بحتة، سألت مرارا ما الذي يجبر الوزارة على البناء داخل المدن القائمة، لماذا لم تدخل كمنافس قوي، وربما كمحتكر لضرب الاحتكار المضاد، وتنشئ مدنا جديدة ببنية تحتية وخدمية جيدة تغنيها عن مجاورة المدن القائمة. معظم مدننا صحراوية ولن يضيرنا إنشاء المزيد منها باللجوء إلى الصحراء الممتدة حول كل مدننا القائمة، كل ما نحتاج تخطيطا جيدا لإنشاء هذه المدن وتنفيذها بيد مقاولين مؤهلين، فتظهر أحياء لمدن متسق منسوب وأسلوب مبانيها وفئاتها متقارب ألوانها تسر الناظرين، بدلا من أن يلجأ المواطن سعيد الحظ ممن حصل على أرض أو قرض لأقرب مقاول إن أحسن بنائها جاءت متنافرة مع ما يجاورها. تكاليف كل هذا متوافقة مع ميزانية الوزارة مع قليل دعم إضافي لن تبخل به الدولة لمشكلة بهذا الحجم، غير هذا سنظل نراوح حول المشكلة ونحللها بدلا من حلها..