هزّت جريمة "الدالوة" الإرهابية النكراء في الأحساء مؤخراً أوساط المجتمع السعودي، بعد أن تسلل ثلة من الإرهابيين إلى إحدى الحسينيات بقرية الدالوة في محافظة الأحساء وقتلوا عدداً من الشباب والأطفال من الطائفة الشيعية في يوم عاشوراء. ورغم النتيجة الإنسانية المؤلمة لهذا العمل الإرهابي المتمثلة في إزهاق أرواح عدد من الضحايا واثنين من رجال الأمن قتلا أثناء مواجهة مع أفراد الخلية بمنطقة القصيم، إلا أن الحادثة كانت بمثابة بالون اختبار لمسألة الطائفية في مجتمعنا السعودي، والتي ووجهت بالرفض والاستنكار، ربما على غير ما توقع مخططو ومنفذو العملية الإرهابية التي من الواضح أنها كانت تستهدف أمن الوطن والمجتمع من ثغرة الاختلاف الطائفي. ويُحسب لأجهزة الأمن الوطنية إنجازها المميز المتمثل في اكتشافها خيوط القضية والقبض سريعاً على أشخاص يشكلون الخلية التي وقفت وراء الجرم المشهود، كما يحسب لهيئة كبار العلماء في المملكة بيانها الذي واكب الحدث ورفض بشدة قتل الآمنين. وهنا نستطيع أن نذكر إيجابية المجتمع السعودي في التعامل مع الحادثة رغم إيلامها، مما سحب البساط من تحت "الطائفيين" وكل فرص الحشد الطائفي، فقد أظهرت وسائل التواصل الاجتماعي هذا التماسك، كما كان للمثقفين السعوديين دور كبير وإيجابي في صد محاولات اختراق المجتمع عبر هذه الحادثة التي أراد مريدوها منها أن تنمي الاختلاف المذهبي وتعمق جذور الطائفية، خاصة أن المنطقة تعج بالبؤر المشتعلة التي قضت على كل بوادر الحياة المدنية منذ أربعة أعوام، وما زالت ليبيا واليمن وسورية تدفع الثمن الذي كادت تدفعه وتندفع إليه تونس ومصر في ظل صراعات واستراتيجيات إقليمية ودولية حادة. ويبدو أن الاختيار الإجرامي قد وقع على الأحساء تحديداً لما تتميز به من تعايش مذهبي منذ قرون، حيث يعكس النسيج الاجتماعي الأحسائي صوراً مشرقة ونموذجية في هذا المجال، فأن يقيم بعض المواطنين طقوسهم الخاصة في يوم عاشوراء أمر ليس بجديد ولا بمستغرب على أهالي المنطقة، بل المستغرب هو دخول "وافدين" إلى هذا النسيج كي يذكوا نار الفتنة والقتل معاً! وعند العودة للاختلاف الذي خلق الصراع الطائفي بين السنة والشيعة نجد أن وجهي العملة (الخلاف) فيه مفردتان ممقوتتان لهما دلالات واسعة وعميقة (رافضة، نواصب) على الرغم من أن الخلاف في الأساس تاريخي سياسي، تخللته الكثير من المنعطفات التي جعلت منه عداء مستعراً منذ أكثر من ألف عام، لكن يبدو أن الإنسان الذي صنع التاريخ يستطيع بنفسه أن يصلح هذا التاريخ ويجعل منه قصة خلاف لا تنال العقائد والإيمانيات، ولكن لن يصل الإنسان إلى هذه الدرجة من العقلانية إلا بسيادة قيم العقلانية والدولة المدنية. يقول البعض إن "الدالوة" هزمت الطائفية، وهذا صحيح، لكنني أقول إن الوطن برمته هزم الطائفية ووأد الفتنة ووجه صفعة مؤلمة لوجه الطائفية؛ من خلال تلاحم أبنائه من جميع المذاهب والأطياف، وهذا ما يجعلنا نفكر ونعيد التفكير بأن رصيدنا الوحيد والباقي لنا ولأجيالنا القادمة هو هذا الوطن الذي نستظل ظله اليوم رغم كل البؤر المشتعلة من حولنا، ورغم كل محاولات الاختراق، ورغم كل الأطماع في ثرواته ومقدراته. أبرزت حادثة الأحساء ما يتسم به المجتمع السعودي من وعي بالخطوط الوطنية الحمراء، فوجدنا الغالبية العظمى من "أصوات" النخب ذات التوجهات المتعددة والتي لم يخفِ بعضها نقده الشديد لأداء بعض مؤسسات الدولة؛ وجدناها تستنكر ما حدث، وتؤكد على ضرورة الوحدة الوطنية والوقوف قلباً واحداً بوجه الحشد الطائفي، فلم نكن نفرق بين مواطن سعودي شيعي أو سني حين صار الصوت واحداً يهتف بكلمة "وطن"، ويؤكد على أننا ربما نختلف، وهذه سمة حياتنا، لكن لن ولم نختلف على أمن الوطن والمواطن والمقيم بين ظهرانينا.