كان يعيش صراعا خفيا.. يدركه الذين اقتربوا منه، واستمعوا إليه.. صراعا مؤلما بين المفكر النخبوي والشاعر العذب من جانب، والمسؤول الحكومي البيروقراطي الذي تمتلئ أدراجه باللوائح والتنظيمات والقوانين والعقوبات! انتهت معركة الفريقين بعودة الشاعر إلى منصة الشعر.. "لا تقولي للهوى: لا لا وكلا.. فالهوى في مهجتينا قد تجلى"..! وعلى الرغم من أن مساحات الاختلاف معه كانت أكبر من مساحات الاتفاق؛ إلا أننا كنا أمام مسؤول عمل بأقصى طاقاته، واستطاع أن يضع له بصمة واضحة لا تُنسى، يشهد بها خصومه قبل أصدقائه. عاد الشاعر العذب إلينا، بعدما أتعبنا وأتعبناه.. بعدما آلمنا وآلمناه. وأعود اليوم بعد سنوات من الصمت لأقول له: "كن على ثقة أنني كنت أحبك، وأشتاق للجلوس معك"..! آخر مقال كتبته عنه كان قبل حمله لحقيبة الإعلام والثقافة بأسابيع قليلة، وحينما أصبح وزيرا، لم أستطع أن أكتب عنه.. "رهاب اجتماعي".. يعترينا الخوف حينما نريد أن نثني على أحد وهو في سدة المسؤولية.. ننتظر رحيله.. إما عن الكرسي أو عن الحياة.. و"غازي القصيبي" هو أبرز الحالات.. حينما قدمت الصحافة السعودية تغطية بالغة الروعة عن مشواره الإداري والسياسي والأدبي، لكن.. بعد وفاته! لا ينبغي أن تكون علاقتنا بالقول والفعل الحسن المؤثر مرهونة بعلاقتنا بالإنسان.. أنت تكون شجاعا حينما تمتلك المقدرة على الشهادة لخصومك بالنجاح والتميز.. الإنسان حينما يموت ليس بحاجة لكل ما يقال عنه.. حاجة الإنسان للثناء أثناء حياته قبل مماته. شكرا للدكتور عبدالعزيز خوجة.. الشاعر، مرهف الحس، الذي أرهقت الحقيبة الثقيلة قلبه الشفاف. شكرا له بحجم مساحات الاختلاف.. وشكرا له بحجم الطيبة والنقاء في قلبه المتعب.. اختلفوا معه كما تشاؤون.. انتقدوه كما تشاؤون.. قيّموا فترة وزارته بكل قسوة.. لكن كونوا منصفين.. كونوا موضوعيين، أنتم أول من يعلم أن ليس كل ما يُعلم يقال.